20.57°القدس
20.33°رام الله
19.42°الخليل
24.81°غزة
20.57° القدس
رام الله20.33°
الخليل19.42°
غزة24.81°
الأحد 20 أكتوبر 2024
4.85جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.04يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.85
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4.04
دولار أمريكي3.72

خبر: في فضاء الإعلام.. إن تلوث سمعك فاعمل عقلك

في سيارة العودة من عملي في غزة إلى بيتي في رفح جنوبا، قطع صوت مذيع نشرة الأخبار هدوء الركاب وهو يذيع خبراً مفاده أن مصر تفتح معبر رفح بشكل استثنائي لمدة أربع ساعات بعد إغلاق دام أيام، ثم ذيَّل المذيع الفلسطيني خبره هذا بما قال إن السلطات هناك تتهم حركة حماس التي تدير قطاع غزة بالتورط في سيناء المجاورة. هنا أشعل السائق الخمسيني "سجارته" ، وأخرج "دخاناً" من أنفه عكَّر صفو المكان، ثم أطلق العنان للسانه، قائلا "عادت ريما لعادتها القديمة، بس بنستاهل، احنا اللي بنجيبه لحالنا". وأضاف دون أن يقاطعه أحد من الركاب "ما لنا ومالهم، لماذا نقتل جنودهم ولماذا نلعب في ملعبهم، البلد رجعت 20 سنة للوراء، لا وقود ولا معابر". واستمر بوصلة الردح وسط تململ "راكب" بجانبي " لماذا لم نتعلم من أخطائنا، من تأييد صدام لاحتلال الكويت، وكان ما كان، طردوا الفلسطينيين، وصرنا أعداء للشعب الكويتي". في هذه اللحظة، تدخل جاري، قائلاً " هدئ حالك يا حج مش مستاهلة"، إلا أن ذلك أغرى السائق بمزيد من القول، "الحق عليكو انتو الشباب كيف ساكتين على حماس تتحكم في أرواحنا وأرزاقنا، تمردوا زي ما عملوا في مصر". لم يتمالك، جاري الراكب لسانه، عند سماع ما قاله السائق، رد عليه " هذه الحالة التي وصلنا إليها ، من ضيق وحصار وإغلاق المعابر وأزمة الوقود، لم نشهدها إلا بعد التمرد في مصر الذي أنت تؤيده وتدعو لتكراره في غزة". وقال الشاب " يبدو أنك يا حج، بتسمع لتوفيق عكاشة وأشكاله كثير، هذا الرجل نسي عدو مصر الأول (إسرائيل )، وجعل منا نحن الفلسطينييون في غزة أعداء، عبر الكذب والتضليل ". ووجه سؤاله للسائق " هل تصدق أن غزة هذه النقطة في بحر بالنسبة إلى مصر ، هي سبب أزماتها وهي من تقتل وهي من تعبث في أمن سيناء، غزة هي بوابة مصر وهي الحصن الأول لها من (إسرائيل) وأي ضرر بمصر يضر بها ". وأضاف " ثم إن غزة لم ترفع السلاح في وجه المصريين أو حتى النظام الذي حاصرنا وشارك في قتلنا في عهد مبارك، فهل يعقل أن نفعل ذلك مع نظام لم نرى منه إلا خيرا في عهد مرسي، لم يغلق المعبر، لم يحاصرنا، وقف ضد (إسرائيل) ولم يدعم حربها الأخيرة على عكس ما كان في 2008 يوم أن أعلنت الحرب على غزة من القاهرة". [title]لا تكن مطية للإعلام[/title] في هذه الأثناء، تدخل راكب ثالث في الحوار الدائر، بين جاري الراكب والسائق، قال " للأسف الإعلام شوش عقول كثير من الناس، هؤلاء رضوا لأنفسهم أن يكونوا مطية لهذا الإعلام المضلل لتمرير أهدافه الخبيثة بزرع الفتنة بين الشعوب وترك العدو الأساس للعرب والمسلمين يمرح ويتفرج علينا ونحن نقتل بعضها بسبب التحريض وبث السموم". وأضاف " إذا الإعلام ارتضى لنفسه أن يكون أداة قذرة لبَث الأكاذيب والشائعات، فلا تسمح لنفسك أن تكون مطية لهم، وألعوبة بيدهم ، لك عقل وعينين وأذنين، ابحث عن الحقيقة، الآن وسائل الإعلام لم تقتصر على وسيلة أو اثنتين ، هناك الكثير ، لا تكون مثل الببغاء تردد ما تسمع بلا تفكير ". وختم قوله " إن غزة باتت تذكر في وسائل الإعلام المصرية منها والفلسطينية أكثر ما تذكر إسرائيل ، وللأسف هناك فلسطينيون منا ، فرحين بما يجري في مصر وبالتالي مع التضييق المتواصل على غزة ، هل تقبل أن يموت طفلك في مشفى بسبب نقص الدواء أن تتوقف دراسة ابنك في الخارج بسبب منعه من السفر عبر المعبر ". انتهى الراكبان من حديثهما ، ولاحظت أن السائق الذي بدا أنه وقع " فريسة للاعلام المضلل" لم يلفظ بكلمة ، بل إنه أخذ "يلعن" في هذا الإعلام ثم دعا " الله يجيب اللي فيه الخير لنا جميعا". هذه صورة من صور كثيرة ، تعكس تأثير الاعلام على كثير من عوام الناس دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء البحث عن الحق والحقيقة ، فيتبين صحة الخبر قبل أن يشيعه ، حتى لا يصيب قوما بجهالة فيصبح على فعلته نادما، كما ظهر حال سائقنا. وتبرز مكانة الإعلام وأهميته في تأثيره الكبير على توجهات الناس وآرائهم في الحياة، سواءً بالسلب أو الإيجاب، فوسائل الإعلام قادرة على فرض رأي أو توجّه معين بحسب توجهات وسياسة المؤسسة الإعلامية، وفي ذلك قال الكاتب الأمريكي هربرت شيللر في كتابه "المتلاعبون بالعقول": "مَنْ يسيطر على وسائل الإعلام..يسيطر على العقول". لكنَّ الحقيقة الثابتة أن وسائل الإعلام تحكمها أخلاقيات ومبادئ تفرض عليها أن تلتزم الموضوعية والمصداقية في نقل مختلف الأحداث الجارية في المجتمع، وحينها نستطيع أن نتوّجها بتاج السلطة الرابعة. وقديما قال وزير إعلام هتلر، جوزيف غوبلز: "أعطني إعلاماً بلا ضمير أُعطيك شعباً بلا وعي"، فهو يشير إلى ما يحمله الإعلام من رسالة سامية يكمن وراءها رُقيّ الشعوب وتنمية مجتمعها لينعكس ذلك على وعيها. [title]ليست صحافة إطلاقاً[/title] الكاتب فايز أبو شمالة ، رصد التضليل والكذب الذي أصبح سمة الاعلام المصري وتشاركه في ذلك وسائل إعلام فلسطينية. وجاء في صدر مقالته " ما أكذب بعض وسائل الإعلام العربية!، ما أكذبهم وهم يدافعون عن الحاكم المستبد، فيلبسونه ثوب الحنان والشفقة على الشعب!، وما أكذبهم وهم يصفون الحاكم الذي انغمس في العلاقة مع أمريكا حتى أذنبه، فيصفونه بعدو أمريكا اللدود!، لقد تجاوزت بعض وسائل الإعلام العربية حدود تزوير الحقائق، وصارت تقلب الحقائق بشكل رديء. وأشار إلى أن " بعض وسائل الإعلام الفلسطينية تصر على ترديد أكاذيب بعض وسائل الإعلام المصرية عن تدخل حركة حماس في الشأن المصري، رغم عدم وجود أي دليل مادي حتى هذه اللحظة، يؤكد تدخل حركة حماس في الشأن المصري". وتساءل" هل تجهل وسائل الإعلام الفلسطينية خطورة هذا الاتهام؟!، أم أنهم يعلمون ويعمدون إلى تشويه الحقائق لغرض في نفس يعقوب وأبنائه وأحفاده". وأورد الكاتب أبو شمالة "خبراً كاذباً" ، تناقلته معظم وسائل الإعلام المصرية "أن عضو مجلس النواب الأمريكي جون ماكين شريك في تجارة السلاح مع القيادي في حركة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر، وهذه الشراكة فرضت على النائب الأمريكي أن يسمي ما يجري في مصر انقلابًا عسكريًّا". وقال " هذا الخبر الذي لو تأكدت صحته لتخلخلت أركان الحياة السياسة الأمريكية، تماماً مثله مثل الخبر الذي نشرته صحيفة الأهرام، ويؤكد أن السفيرة الأمريكية تهرب السلاح إلى مصر، وتسعى لتقسيم مصر إلى دولتين، السفيرة الأمريكية قبل مغادرتها مصر علقت على الخير قائلة: "الصحافة التي تنشر مثل هذه الأخبار الملفقة ليست صحافة سيئة، بل هذه ليست صحافة إطلاقاً". وهكذا مع الأيام صار يعرف بالفطرة أن هناك "تضليل" يمارسه الإعلام، كما يقول الكاتب عبد الحكيم مفيد، والحقيقة أن الإعلام لم يكن أول من اختلق التضليل، التضليل مهنة قديمة، ففي مشهد المواجهة الذي جمع موسى عليه السلام مع سحرة فرعون، كان التضليل هو الوسيلة الأهم التي استعملها السحرة أو من يقف خلفهم لتحقيق غايتهم، لتبيان "ضلال موسى"، وكان السحر هي المهنة التي من خلالها رغب هؤلاء في استمالة عقول الآخرين، وحرف مسار تفكيرهم، أي ضلهم وتضليلهم، وفرض مشروعهم بأسلوب ملئ بالكذب والخبث.