17.78°القدس
17.51°رام الله
16.64°الخليل
22.29°غزة
17.78° القدس
رام الله17.51°
الخليل16.64°
غزة22.29°
الجمعة 01 نوفمبر 2024
4.84جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.04يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.84
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.04
دولار أمريكي3.73

خبر: التمرد "مفرقعات" فجرت الفكاهة في البيت الفلسطيني!

تفاجأ صديقي محمد الذي ما إن عاد من عمله حتى لوحت زوجته وأولاده بإعلان التمرد عليه إن لم يأخذهم إلى مكان للاستجمام، وتحت تلك الظروف رضخ إلى مطالب الأولاد والزوجة الذين كانوا قد جهزوا أنفسهم للخروج، وانتهى المشهد بتحقيق مطالبهم. لقد كانت حملة التمرد على صديقي ما هي إلا نوع من المزاح لتلطيف الأجواء بعد العناء الذي أصاب والدهم من العمل، لكن ما أثار استغراب الوالد هي كلمة "تمرد" فهو اعتاد أن يسمع منهم جمل متشابهة أمثال "بنعمل انتفاضة"، "بنعلن إضراب شامل"، "بنساوي ثورة". ولم تقف حالة استخدام الساخر لـ"تمرد" عند أفراد العائلة مع ربها، بل انتقلت إلى الموظفين مع رؤسائهم في العمل، وكذلك مع القائمين على الأنشطة الاجتماعية والرياضية، حيث بات الموظفين يمازحون مديرهم بجمع استمارات التمرد في حالة لم ينفذ مطلب هذا أو ذاك. وكما هو التمرد العائلي تدرج في الصعود إلا أنه جرى النقيض فقد فاجأ عجوزا الجميع بإعلان التمرد على أولاده وأحفاده وقال: "اسمعوني منيح.. والله إن ما سلكتوا معاي لأعمل عليكم تمرد" فهذا الرجل المسن بات يوميا يتجادل مع الأبناء والأحفاد ويطلق بحقهم التهديدات النابعة من المحيط الخارجي، ففي السابق هددهم بما أسماه بـ"فضحهم على قناة الجزيرة"، وبعد ثورات الربيع العربي هددهم أيضا بـ"فضحهم على الفيسبوك"، وعقب عزل "الرئيس مرسي" لوح بإعلان التمرد. فكلمة "تمرد" والتي تعني مقاومة وثورة أيضا، لم تكن تستخدم في قاموس الفلسطيني الذي التف حول مصطلح "الانتفاضة"، وأدخله إلى القواميس، وصفحات التاريخ وميادين الصحافة العربية والغربية والإسرائيلية. واستُعمل مصطلح "الانتفاضة" لأوّل مرّة لوصف الثورة الشعبية الفلسطينية في البيان الأول الذي صدر عن حركة حماس والذي تم توزيعه لأول مرة في غزة يوم 11 ديسمبر سنة 1987، وفيه أطلق لفظ "الانتفاضة" على التظاهرات العارمة التي انطلقت احتجاجا على قيام سائق شاحنة صهيوني بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين عند معبر بيت حانون. وظلت كلمة "تمرد" غير مرغوب فيها لدى الفلسطينيين بل أصبحت مصدر قلق وإزعاج بالنسبة للغزيين الذين يخيم عليهم شبح إعلان رئاسة السلطة قطاع غزة كـ"إقليم متمرد"، ويعتبر هذا الإعلان شرعنة لحالة الحصار المفروضة عليه، وغطاء لأي اعتداء خارجي عليه، لأنه في حالة إعلانه "إقليم متمرد" يصبح يهدد الأمن والسلم الدوليين. وبعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي من قبل الجيش، قام الإعلام المصري بتمجيد الشباب الذين قاموا بحملة "تمرد"، وصنع منهم أبطالا، وبذلك أجرى عملية تجميل ناجحة لهذه الكلمة في عقول فلسطينيين فتنوا بها. عقبها بات التمرد كـ"فيروس" ينتقل عبر الهواء، فقد أصيب بعدواه عدد من الشباب الفلسطيني الذين حاولوا استنساخ التجربة، ووجدوا في التواصل الاجتماعي التربة الخصبة للتنظير لحملاتهم، واليوم كثر هي الصفحات التي تدعو للتمرد على ما أسموه "الظلم بغزة"، وفي المقابل الثورة على "الظلم في الضفة"، وأيضا لنزع الشرعية عن "أبو مازن" في المفاوضات. وجاءت هذه الحملات والدعوات في سياق تأثر الشعب الفلسطيني بالجو العام المحيط به، فزخم الأحداث المحيطة به باتت تؤثر حتى على تفاصيل الحياة اليومية، بهذه الكلمات فسر الكاتب أحمد أبو رتيمة أسباب وجود هذه الظاهرة، بينما رأى الناشط الشبابي إسلام أبو سعدة أنها جاء في إطار "التجاذب السياسي" داخل الساحة الفلسطينية. وبرغم تسليط وسائل الإعلام الضوء على هذه الصفحات، بقيت أنشطة هؤلاء في "المجتمع الافتراضي". فـ"حوائط الفيسبوك" هي الشوارع التي يدعون فيها للتمرد، وعدد المعجبين بالصفحة بمثابة التوقيع على استمارة التمرد، فعلى الأرض يرى الكاتب إبراهيم المدهون أن لا وجود لشيء اسمه "تمرد" والحديث عنه لا يعدو كونه "فرقعات إعلامية". ومن رحم هذه الأجواء ولدت الكثير من النكات التي تسخر من حملة التمرد بغزة، كان من أبرزها "سنخرج لنتمرد بهدف نزع الشرعية عن "هنية"، عندها سينزل القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف عند مطالبنا وسيقوم بعزله...". ومن بين الفريقين السابقين ظهر فريق شبابي ثالث يتمسك بثورته التي تفجرت بعد النكبة، ودعا إلى المضي في مسيرة التمرد على الاحتلال، وتحت هذا الإطار كتبت الناشطة مفاز يوسف على "حائطها" "يا فلسطينيين.. بدل ما نتمرد على بعض، خلينا نحط أيدينا في ايدين بعض ونتمرد على الاحتلال". ومع وصول عدوى التمرد تحرك كثير من الأدباء والسياسيون فحاولوا أن يعالجوها، بإكسابها صفة بطولية ومغزى إيجابي عندما بينوا أن بوصلة التمرد هي الاحتلال، وفي هذا السياق نظم الشاعر الشعبي غازي كلخ قصيدة مطلعها "لو راجل وَطني .. إتمَرّد، ع المحتل إتمَرّد.. إتمَرّد وأنا قبلك ع المُحتل باتمَرّد". بينما توجهت الشاعرة أمل أبو عاصي للتأكيد على أن الفلسطيني يحتاج إلى التمرد على الجهل، والرجعية، والفوضى، والفكر المضلل المتقوقع في ذاته، وعلى الفهم الحرفي اللاروحاني للدين، وكذلك العادات الجاهلية البالية. وما دام الحديث عن "التمرد ضد الظلم أو الحكومات" ما هو إلا عبارة عن "بوستات فيسبوكية"، عندها فجر "التمرد" تربة خصبة للسخرية، وباتت وسيلة للفكاهة والتسلية في البيت والعمل والشارع.