مجموعة من كبار السن والمعاقين والمرضى والنساء والأطفال لم يجدوا سوى بوابة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في مخيم بلاطة شرقي نابلس ليقفوا أمامهم محتجين على قرار الوكالة باستئنائهم من المساعدات التي كانت تقدم لهم نظرا لصعوبة أوضاعهم الحياتية والاقتصادية. المسن كمال أبو عرب الذي ناهز الخامسة والستين من عمره أصيب قبل عدة سنوات بمرض السكري، ونتيجة تطور وضعه الصحي اضطر الأطباء لاستئصال جزء من قدمه ما حوله إلى مقعد على كرسي متحرك، ولا يوجد لديه أبناء، ويعيش مع زوجته المريضة أيضا في غرفة تعيسة داخل إحدى أزقة مخيم بلاطة، كل هذا لم يشفع له عند "الأونروا" التي قطعت عنه المساعدة المالية على قلتها، وتركته حائرا فيما آلت إليه ظروفه. يقول أبوعرب لـ[color=red]"فلسطين الآن"[/color]: "قبل مرضي كنت قوي البنيان ألعب كمال الاجسام وأدرب في مركز المخيم الرياضي، لكن مرض السكري قلب حياتي رأسا على عقب، فبت غير قادر على العمل والترزق، ولم يكن يخفف عني إلا المبالغ المالية البسيطة والمساعدات العينية التي تقدمها لي الوكالة، إضافة لأهل الخير". ويتابع "كنت ضمن المستفيدين من برنامج "العسر الشديد"، حيث يصلني شهريا بعض المواد التموينية البسيطة، مثل كيلوات من السكر والأزر والملح والطحين، ومعلبات وحاجيات أخرى، وعلى قلتها إلا أنها كانت تكفيني، وتمنعني من سؤال الناس وطلب الحاجة، وكانت الوكالة ترسل بشكل دوري موظفين لبيتي ليطلعوا على حالي الذي يزداد سوءا وبؤسا يوما بعد يوم، حتى وقعت المفاجأة". فقد رفعت الوكالة اسم ابو عرب من قائمة المستفيدين من برنامج "العسر الشديد"، ما شكل صدمة كبيرة له وتركته حائرا فيما يفعل. "ما الذي تغير عندي؟ هل بت غنيا؟ هل بت قادرا على العمل؟؟ طبعا لا. من سيء إلى أسوء. مرضي ووجعي وفوق كل هذا حرموني من حقي من المساعدات". ليس أبو عرب وحده يبحث عن إجابة للسؤال حول دوافع وكالة الغوث لحرمانه من حقه في البرنامج. فالحاجة أم محمد دندن تقف مدهوشة مما حل بها، وتعلي صوتها وهي تشير بيدها إلى مقر الاونروا، قائلة بلهجة بسيطة "ليش بيعملوا فينا هيك؟ ليش حرمونا وتركوا البقية؟ الله يطعم الكل، بس احنا ناس كبار بالسن وفقراء، فكان لازم يخلونا معهم، مش يحرمونا ويتركونا بالشارع؟". [title]برنامج الطوارئ [/title]في مخيم بلاطة شرقي مدينة نابلس الذي يعد أحد أكبر مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، يمكن تلمس أثر سياسات الوكالة على الساكنين هنا، لا سيما مع وقف العديد من الخدمات وتقليص العمل في برامج أخرى. فالغضب من سياسات الوكالة تصاعد بعد إيام من تقليصها لأعداد عوائل اللاجئين المستفيدة من برنامجها الأساسي (برنامج العسر الشديد)، رغم أنها تعد من أفقر العوائل في المخيمات، ليأتي الدور على برنامج العمل مقابل المال المعروف ببرنامج الطوارئ. المسؤولون في لجان الخدمات الشعبية في المخيمات قالوا إن القرار يهدف لإنهاء البرنامج كليا ما يعني انضمام المزيد من اللاجئين إلى صفوف العاطلين عن العمل. لذا فقد هددوا باتخاذ سلسلة إجراءات تصعيدية ضد وكالة بعد سياسة التقليصات التي اتبعتها بحق اللاجئين. منسق لجان الخدمات الشعبية في نابلس وشمال الضفة الغربية إبراهيم صقر، اتهم وكالة الغوث بتعمد الإساءة واضطهاد اللاجئين عبر رزمة التقليصات التي تتبعها مؤخرا في مخيمات الضفة الغربية، بحجة عدم توفر ميزانية في مؤسساتها. وقال لـ[color=red]"فلسطين الآن"[/color] التي تحدثت معه عبر الهاتف إن "الاونروا" قلصت أعداد المستفيدين من برنامج "العسر الشديد" الذي يشمل العائلات الفقيرة وذوي الاحتياجات الخاصة، كما ستعمل على إلغاء برنامج "العمل مقابل المال" في المدن والقرى، وسيتم الإبقاء عليه فقط في المخيمات. [title]سياسة خفية [/title]وجدد صقر اتهام الوكالة بتنفيذ سياسة خفية تعتمد على تقليص خدماتها في قطاعي الصحة والتعليم، كتقليص الأدوية والتحويلات الطبية وإنهاء عقود الأطباء، كما أنها اتخذت قرارا بتقليص عدد الموظفين في كل محافظة من 17 إلى 4، موضحا بأن فصل الموظفين يدلل على بداية الشروع بتقليص الخدمات وحجبها عن مستحقيها. وما يثير حيرة اللاجئين وممثليهم من سياسات وكالة الغوث إنها في الوقت الذي تدعي فيه أن تقليصاتها تعود لوجود أزمة في ميزانياتها، فإنها في الوقت نفسه تمنح موظفيها الأجانب امتيازات "خيالية" على حد تعبيرهم، ويتقاضون رواتب ضخمة وعلاوات المخاطرة والخدمات المعيشية مقارنة بنظرائهم من الموظفين الفلسطينيين، ما يفند حجج الوكالة حول عدم وجود ميزانية في مؤسساتها. [title]تصفية القضية [/title]وتتهم اللجان الشعبية الوكالة بانتهاج سياسات مالية من شأنها الإضرار بمجتمع اللاجئين لا سيما تقليص الميزانيات المخصصة لمختلف البرامج الخدماتية والاغاثية التي تقدمها، ما ينتج عنه تقليل أعداد المستفيدين من تلك البرامج، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الحالات المعسرة وزيادة نسب البطالة والفقر المرتفعتين أصلا في المخيمات. ويذهب بعض المحللين إلى أبعد من ذلك بقولهم إن تلك السياسات تدخل في سياق تحويل وكالة الغوث من مؤسسة دائمة يرتبط وجودها باغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين كما نصت عليه قرارات هيئة الأمم المتحدة إلى مؤسسة مؤقتة تعمل وفق أجندات سياسية. كيف ولا؟ وهو ما يأتي بعد أشهر قليلة على كشف النقاب عن خطة إسرائيلية تقضي بتعويض اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في أماكن تواجدهم وإلغاء فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. ومن الخطوات الأساسية لتنفيذ الخطة السعي لتفكيك وكالة "الأنروا" التي تدير الشؤون الاجتماعية والتموينية والتعليمية للاجئين في المخيمات الفلسطينية، لأن القائمين على الخطة يعتبرون استمرار عمل الوكالة تثبيت لحق اللاجئين، ويعتبرون أن العالم شهد خلال العقود الأخيرة الكثير من حالات اللجوء، وجدت كلها حلولاً باستثناء قضية اللاجئين الفلسطينيين. ليست هذه الخطة الأولى ولن تكون الاخيرة لمحاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين كما يرى المراقبون، الذين يؤكدون أن اللاجئين أنفسهم أصحاب القضية هم الاقدر على التصدي لمثل هذه المخططات بثباتهم على مواقفهم وتوريثها لابنائهم وأحفادهم جيلا بعد جيل.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.