24.97°القدس
24.62°رام الله
26.08°الخليل
27.17°غزة
24.97° القدس
رام الله24.62°
الخليل26.08°
غزة27.17°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: كيف أعدَّ نور الدين مجتمع النصر والتمكين؟

أولًا: الاهتمام بالعلم والعلماء أيقن أمير المسلمين نور الدين محمود بن زنكي (541-569هـ) _رحمه الله_ أن تحرير الشام وبيت المقدس من الاحتلال الصليبي، وإقامة الدولة الإسلامية القوية لن يتحققا إلا إذا أعدَّ مجتمع النصر والتمكين، وقد أدرك الأسباب والصفات التي تجعل مجتمعه مؤهَّلًا لتحقيق هذا الهدف العظيم، وشرع في توفيرها، وغرسِها في رعيته، فنجح في صناعة ذلك المجتمع المنشود، ثم قاده وحقق به انتصارات كبيرة، وتمكن من تحرير معظم الشام وفلسطين، ولابد من التعرف إلى تلك الأسباب والصفات، ليعمل القادة المخلصون في فلسطين على توفيرها في مجتمعهم الفلسطيني، ويجعلونه مؤهَّلًا لتحرير كل فلسطين من المغتصبين اليهود، وإقامة الدولة الإسلامية القوية فيها، وتلكم هي أهم الأسباب والصفات: أولًا: الاهتمام بالعلم والعلماء: أيقن نور الدين أنه لن ينتصر إلا بجيل متعلمٍ عالمٍ واعٍ مثقف، فاهتم بالعلماء، وبالغ في احترامهم وتقديرهم، وأجزل لهم العطاء، وحضهم على نشر العلم، وبنى المدارس في كل المدن، وأنفق عليها الأموال، فتدفق العلماء من كل مكان للاستقرار في الشام، حتى صارت الشام في زمانه موئل العلماء بعد أن كانت خالية منهم، وانتشر العلم بين أهلها. وكان قدوة لرعيته في طلب العلم، إذ يُروى أنه "كان عارفًا بالفقه على مذهب أبي حنيفة، ليس عنده فيه تعصب، وسمع الحديث وأسمعه طلبًا للأجر"، وكان قدوة للرعية في إجلال العلماء، إذا دخل عليه العالم الفقيه، أو الرجل الصالح؛ قام هو إليه وأجلسه، وأقبل عليه مظهرًا كلَّ احترام وتقدير، وكان يقول: "إنهم جند الله، وبدعائهم ننصر على الأعداء، ولهم في بيت المال حق أضعاف ما أعطيهم، فإن رضوا منا ببعض حقهم فلهم المِنَّة علينا"، وكان شغوفًا بالفقيه قطب الدين النيسابوري، "يتبارك بأنفاسه، واغتنام كلامه واقتباسه"، وكان للعلماء في نفسه مهابة، يقول عن أحدهم: "إن البلخي إذا قال لي: "محمود"؛ قامت كل شعرة في جسدي هيبة له، ويرقُّ قلبي". وكان يستجيب لنصحهم حتى لو أغلظوا له في القول، فقد جاء إلى الشام مجاهدًا فيها الواعظ المنتجب بن أبي محمد البحتري، فبعث إليه نور الدين مالًا، فلم يقبله، وكتب قصيدة يعظه فيها بغلظة، معترضًا على الضرائب الزائدة التي اضطر إلى فرضها؛ ليستعين بها على محاربة الصليبيين، ويقول: "ماذا تقول إذا نُقلتَ إلى البِلى فردًا وجاءك منكرٌ ونكيــرُ، وتعلقت فيك الخصوم وأنت في يوم الحساب مُسَحَّبٌ مجرورُ، وتفرقت عنك الجنودُ وأنت في ضيق اللحودِ موسَّدٌ مقبورُ، ووددتَ أنك ما وليت ولايةً يومـًا ولا قال الأنـــامُ أميرُ، مهِّد لنفسك حجةً تنجو بها يوم المعــادِ لعلك المعـذورُ"، ويعلق صاحب كتاب الروضتين على هذه القصيدة بالقول: "ولعل هذه الأبيات كانت من أقوى الأسباب المحركة إلى إبطال تلك المظالم والخلاص من تلك المآثم، رضي الله عن الواعظ والمتَّعِظ بسببه، ووفق من رام الاقتداء به". ويُروى أن أحد مستشاريه من العلماء _ويُدعى موفق الدين_ "رأى في النوم كأن نور الدين دفع إليه ثيابه ليغسلها، فقصَّ منامه على نور الدين، فتمعّر وجه نور الدين، فخجل موفق الدين، وبقي أيامًا على غاية من الخجل، فاستدعاه يومًا نور الدين وقال: "قد آن لك أن تغسل ثيابي، اقعد واكتب بإطلاق المؤن والمكوس والأعشار، واكتب للمسلمين: إنني قد رفعت عنكم ما رفعه الله عنكم، وأثبتُّ عليكم ما أثبته الله (تعالى) عليكم". وبعد الهزيمة الكبيرة التي حلّت بجيش نور الدين في معركة البقيعة سنة 558هـ، والتي قُتل فيها كثير من جنده، وكاد هو يُقتل فيها، عزم نور الدين على الثأر من الصليبيين، وقال: "والله، لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام"، فجاءه البلخي وقال: "أتريدون أن تُنصروا وفي عسكركم الخمور والطبول والزمور"، فعزم نور الدين على تطهير دولته من كل هذه الانحرافات، وفيها الضرائب الزائدة عن الحد الشرعي، والتوبة إلى الله (تعالى)، وبعدها خاض معركة حارم الفاصلة ضد الصليبيين في 11/أغسطس/ 1164م، وكان النصر المبين إذ قتل من الصليبيين نحو عشرة آلاف، وأسر نحو عشرة آلاف، بينهم كثير من أمرائهم وقادتهم. وفي عام 569هـ/1173م كان نور الدين قد أعد عدته للهجوم النهائي على بيت المقدس، وتحريرها من الصليبيين، حتى إنه أعد منبرًا جديدًا رائعًا للمسجد الأقصى، يوضع فيه بعد الانتصار، لكنه توفي (رحمه الله) في شوال 570هـ، بعد أن حقق انتصارات كبيرة على الصليبيين، وكان لمجتمع العلم والعلماء والمتعلمين الذي أعده نور الدين دور مبين في تحقيق النصر والتمكين