21.91°القدس
21.59°رام الله
20.53°الخليل
24.74°غزة
21.91° القدس
رام الله21.59°
الخليل20.53°
غزة24.74°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: التفويض سقط

وسط اللغط والبلبلة التي أحاطت بقراءة المشهد الانتخابي وقعت على شهادة لخصت ما جرى كتبها على صفحته في الفيس بوك أحد القضاة الذين أشرفوا على العملية. القاضي هو المستشار أحمد عطية أبوشوشة، الذي كان مشرفا على لجنة فرعية بقرية الغرباوي التابعة للمحمودية في محافظة البحيرة. وكان عدد المقيدين بها 2108 ناخبين، ولأنها كانت اللجنة الوحيدة بالقرية فقد قصدها الجميع، ومن ثم يمكن اعتبارها نموذجا لعينة مجتمعية متكررة في القرى المصرية. حسب روايته، فإنه في اليوم الأول للتصويت حضر مندوب ووكلاء المرشح الأول عبد الفتاح السيسي، ولم يظهر أي أثر لمندوب المرشح الثاني حمدين صباحي طول العملية الانتخابية. يومذاك استقبلت اللجنة 331 شخصا فقط يمثلون 16٪ من المقيدين تقريبا، وكان أغلبهم من النساء وكبار السن. الصورة صدمت ممثلي المرشح الأول، وهو ما كان له صداه في التحرك السريع الذي بدأ في اليوم الثاني، «إذ صرنا نسمع مكبرات الصوت وهي تتجول بالقرية داعية الناس للتوجه إلى المشاركة في التصويت، وسمعت مصادفة أحد مفتشي وزارة الأوقاف يأمر شيخ مسجد القرية في اتصال هاتفي بضرورة حث المواطنين من خلال مكبرات صوت المسجد للتوجه إلى لجنة الانتخابات بعد صلاة العصر. ولاحظت أن الوكيل العام لحملة المرشح الأول أجرى اتصالا مع مندوبه باللجنة، أبلغه فيه بأن المحافظ قام بتوبيخه بسبب تقصيره في حشد المواطنين للتصويت». لم تغير العطلة الرسمية التي أعلنت في اليوم الثاني كثيرا من الموقف، لأن التحرك الذي تم دفع بأعداد أكبر إلى مقر اللجنة، الأمر الذي أوصل عدد المصوتين في ذلك اليوم إلى 472 ناخبا، بنسبة حوالي 22٪ من المقيدين، لتصبح حصيلة اليومين 803 أصوات بنسبة 38٪ من مجموع المقيدين بالجدول. المفاجأة حدثت في اليوم الثالث، حين أعلن أن المتخلفين عن التصويت ستوقع عليهم عقوبة الغرامة التي تصل إلى 500 جنيه، وهو ما دعا كثيرين للمسارعة إلى التصويت، الأمر الذي أوصل العدد إلى 986 فردا في نهاية النهار ورفع نسبة المشاركة إلى 46.77٪. وقد حصل المرشح الأول (السيسي) على 942 بنسبة 95.5٪. أما المرشح الثاني (صباحي) فقد حصل على 19 صوتا فقط بنسبة 2٪، ولم يكن هناك أحد يمكن تسليمه نتيجة الفرز سوى مندوب المرشح الأول. في رأي المستشار أحمد شوشة أن تفاصيل المشهد تحتاج إلى دراسة تدقق في دوافع المواطنين إلى التصويت، الذين لم يحركهم سوى التهديد بالغرامة، كما تلاحظ غياب القوى المدنية التي لا أثر لها خارج المدن، وهو غياب يشمل الأحزاب السياسية أيضا. الشهادة تسجل بوضوح ثلاثة أمور، أولها أن الحماس للمشاركة كان محدودا في البداية. وثانيها أن جهدا خاصا لرفع نسبة المشاركين في التصويت، وهذا الجهد أسهمت فيه كل أجهزة الدولة، من محافظين سيروا السيارات المجانية ومكبرات الصوت، ووزراء وظفوا المساجد وأئمتها. الأمر الثالث أنه في حين حضرت السلطة وأكدت انحيازها إلى المشير عبد الفتاح السيسي فإن المرشح الثاني لم يكن له وجود، كما أن قوى المجتمع المدنية السياسية كانت غائبة وخارج المشهد. إذا صح ذلك فقد يعني أننا نلجأ إلى الانفعال ونبالغ كثيرا إذا قلنا إن الجماهير العريضة زحفت على اللجان، أو أن شعبية المشير السيسي جارفة أو أن ثمة اكتساحا وجه ضربة قاضية للمرشح المنافس. ليس لدي أي شك في فوز المشير السيسي بالأغلبية، سواء لتقدير قطاعات واسعة من الجماهير لدوره وشخصه أو من جراء المساندة القوية التي قدمتها له أجهزة الدولة أو لضعف منافسه أو لغياب المفهوم الحقيقي للمعركة. كما أنني أتفهم مشاعر الذين عبروا عن تأييدهم له بالهتاف والغناء والرقص وغير ذلك. لكن ذلك كله لا يعني أن ثمة اكتساحا حدث، لأن نسبة التصويت العالية لم تتوافر إلا بعد استخدام «المقويات» و«المنشطات» ممثلة في مختلف عناصر الترغيب والترهيب التي سارعت أجهزة الدولة إلى تقديمها. ولا يعني ذلك بحال أنه دون اللجوء إلى تلك المقويات والمنشطات كان يمكن أن تتغير النتيجة لصالح المرشح المنافس، لأن الجميع كانوا يعرفون أنه من البداية كان خارج المنافسة. لكن غاية ما يعنيه أننا بصدد فوز ينبغي أن يقدر بقدره، وليس اكتساحا يبالغ في قدره. أفهم أن تلجأ الأبواق الموالية إلى النفخ في الحدث والمبالغة في التفوق، سواء للتأكيد على أن الوضع المستجد له شعبية تفوقت على تلك التي حازها الإخوان، وتلك مقارنة ترددت كثيرا. وربما أراد النافخون في الصورة توجيه رسالة إلى المراقبين في الخارج توحي بتنامي القبول الشعبي ورسوخ التمكين، إلا أن خطورة تلك المبالغة تكمن في تصديقها. ومن ثم انعكاساتها على أداء الرئيس الجديد في الداخل، إذ قد يقتنع بحكاية الاكتساح ويتصور بناء عليه بأنه أعطى تفويضا جديدا على بياض للتصرف في الشأن الداخلي بدعوى أنه لا صوت يعلو فوق صوت الرئيس، إذ طالما جاء بإجماع واكتساح شعبي، فكلمته هي كلمة الشعب، ولا راد لكلمة الشعب. وهي الادعاءات والأغاليط التي تروج للمنظومة الخطرة التي تنتج لنا في نهاية المطاف، فرعونا جديدا مطلق اليد، وليس بحاجة لأن يسمع لصوت آخر. إننا إذا أردنا أن نقرأ رسالة ما جرى في الانتخابات بأمانة وصدق، فينبغي أن نخلص منها إلى أن فوز الرئيس الجديد لا يعطيه توقيعا على بياض في إدارة البلد، ليس ذلك فحسب، وإنما يعني أيضا أن التفويض الذي تلقاه المشير يوم 24 يوليو الماضي قد انتهى أجله وسقط سياسيا. غدا نواصل الكلام بإذن الله.