25.54°القدس
25.22°رام الله
24.42°الخليل
25.68°غزة
25.54° القدس
رام الله25.22°
الخليل24.42°
غزة25.68°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: من للموظف الغلبان

يتساءل البعض, وهو محق إلى حد ما: ما ذنب الموظف الغلبان حتى يمنع من صرف راتبه، ويعاقب بجريرة ذنب لم يرتكبه، وخطيئة لم يقترفها. وإنني إذ أتفهم حاجات المواطنين المعيشية الضاغطة، أعلن تضامني الكامل مع الموظف الغلبان، فالراتب ليس من حق الموظف فقط، وإنما هو حق لطفله وزوجه ولا يعقل أن يعاقب في معاشه وقوت أطفاله ويتحمل مناكفات عباس السياسية مع حركة حماس. ولكن ليسمح لي القارئ أن أوضح بعض الحقائق حتى تكتمل الصورة وتتضح. 1. ليسمح لي الموظف أن أوجه له بعض اللوم، لأنه يوم أن حدث الانقسام، قرر هذا الموظف أن يتصرف باعتباره عضواً في تنظيم سياسي، وليس بصفته موظفاً في الوظيفة العمومية، ينتمي إلى المؤسسة التي يعمل بها، ويخدم الشعب، دون إقحام السياسة في هذه الخدمة، وامتنع حينها عن القيام بوظيفته كمعلم أو طبيب أو رجل أمن، وجلس في بيته مدة تجاوزت سبع سنوات عجاف. 2. هذا الموظف الذي يطيب للبعض وصفه بالغلبان تخلف عن أداء واجبه الوظيفي، ومع ذلك بقي يتقاضى راتبه الشهري بانتظام، مضافاً إليه العلاوات والترقيات وغلاء المعيشة وبدل المخاطرة، وأحياناً قيمة المواصلات، وكأنه على رأس عمله. 3. هذا الموظف الغلبان الذي يتباكى البعض لسوء حاله، لأنه منع من صرف راتبه لعدة أيام، مع أن راتبه مؤمن في البنك، أي لا خشية عليه، لم يمنعه زميله الحمساوي أو يعترضه طيلة السنوات السبع الماضية من استلام راتبه، على الرغم من الحصار والتضييق وقلة ذات اليد عند موظفي الحكومة في غزة. 4. هذا الموظف الغلبان المستنكف، طيلة مدة الامتناع عن العمل، لم يحرم لا هو ولا أولاده من خدمة التعليم في مدارس الحكومة، ولا خدمة التطبيب في مستشفيات الحكومة، وكان ينعم بالأمن والحماية والرعاية القانونية دون حرمان على أساس الانتماء السياسي. 5. هذا الموظف الغلبان المستنكف لو طبق عليه قانون الخدمة المدنية، لاعتبر مفصولاً من عمله؛ لأنه متغيب أكثر من 15 يومًا دون عذر، فكيف بمن وصل غيابه دون عذر إلى سبع سنوات، ومع ذلك تتعامل معه حكومة الحمد الله وكأنه قائم على رأس عمله، ويصرف له راتبه دون تأخير، أما من يشرف اليوم على سلامة امتحانات الثانوية العامة، هو غير شرعي ويمنع عنه راتبه. 6. كثير من الموظفين الغلابة، يعملون في أكثر من مهنة ومصلحة (اللهم لا حسد)، ويتلقون راتباً من الحكومة، ولهم دخل آخر، بفضل استنكافهم عن العمل. 7. وسؤال أوجهه إلى جميع هؤلاء الموظفين الغلابة: ما هو الغطاء الأخلاقي للمشهد التراجيدي –المضحك المبكي-، وهل ضمائركم مطمئنة، راضية وأنتم تتدافعون فرحين باستلام رواتبكم، التي تتقاضونها دون تعب أو نصب، بينما أخوك وجارك وصديقك وقريبك، يتضور أبناؤه جوعاً، ولا يجد قوت يومه، ولا مصروفاً لولده، ولا يستطيع أن يطبب أمه أو زوجه، لقلة ذات اليد، بسبب الحصار الذي يشدده عباس على شعبه وبمعاونة الإخوة الأعداء، والذي توج بقرار غبي غير أخلاقي، على طريقة المثل الشعبي "أجا يكحلها عماها"؛ بصرف راتب لبعض الشعب وحرمان البعض الآخر، وكأن موظفي حكومة حماس بغزة مواطنون من الدرجة الثانية. وتزعم بأنك موظف شرعي، وغيرك الذي دافع عنك في حربين ضد الاحتلال ليس شرعياً، أنت شرعي لأنك فضَّلت الجلوس في بيتك وهو غير شرعي لأنه استمر على رأس عمله وكل ذنبه أن ضميره كان حياً، فلم يقبل أن يكون دمية، فيستجيب للقعود مع الخوالف، ولم يمتنع عن تعليم أبنائك وتطبيب زوجك. ألا تشعر أن الواجب والوطنية والمروءة والأخلاق ودينك وضميرك، يدعونك للتضامن مع أخيك ومع جارك ومع زميلك في العمل وأن تؤازره بعض الوقت حتى يتم حل المشكلة. 8. ومع كل ما سبق، فإن ما يجري الآن من إغلاق للبنوك، يهدف إلى حماية الوفاق الوطني، وحماية المصالحة، وإفشال جهود المتآمرين على القضية الذين يهدفون إلى استخدام الراتب لابتزاز المواقف السياسية والوطنية كمقدمة للقضاء على سلاح المقاومة وتصفيتها، أو لتخفضَ السقف الوطني والقبول بالاستسلام لشروط (إسرائيل). ولا يخفى على أحد أن قرار عدم صرف الرواتب لموظفي غزة هو قرار سياسي بامتياز فيه ابتزاز لحماس، ويهدف إلى تمهيد الساحة لتنازلات سياسية تمهد لاستئناف التفاوض من جديد، وهذا لن يتحصل إلا بعد تقليم أظافر الحركة وخفض طموحاتها، خاصة فيما يتعلق بقدراتها الكفاحية المقاومة، وكأننا أمام مخطط يتعدى عباس إلى الإقليم، يحاول الاستفادة من التغيرات الدراماتيكية التي حاصرت الربيع العربي، ولذلك إن امتناعك أخي الموظف عن استلام الراتب لأيام، ووقوفك مع إخوانك سيكون موقفاً يسجل لك في التاريخ ويضاف إلى رصيدك الوطني. فالموقف ليس موجهاً ضدك ولا ضد حركة فتح، وإنما الواجب يملي على حركتي فتح وحماس التوحد ضد هذا النهج السافل المنحط. وأذكر أن استخدام معاش الناس بهدف إخضاعهم سياسياً، يمثل قمة الانحطاط الوطني والأخلاقي، فمرة يعاقب أبو مازن الجبهة الشعبية ويمنع مخصصاتها من السلطة لأن وفدها خرج من المجلس المركزي محتجاً على المفاوضات، ومرة يعاقب أتباع دحلان لأنهم يعارضونه وتفرده واستبداده في إدارة حركة فتح. والذي جرَّأ "أبو مازن" على هذا النهج، أن البعض فرح وشمت عندما فصل عباس الآلاف ومنعهم من رواتبهم بدعوى الانقسام، أو بدعوى السلامة الأمنية والحرب على الإرهاب. إن الجماعة الوطنية بكل مكوناتها مطالبة بموقف وطني جامع، لحماية الوفاق الوطني، وتعزيز مفاهيم الشراكة الوطنية، وتشكيل هيئة وطنية جامعة في قطاع غزة لمعالجة تداعيات هذه الأزمة والوقوف في وجه الطابور الخامس الذي يريد أن يعيدنا إلى المربع الأول، مربع الانقسام والخلاف والاختلاف.