17 يونيو 2014 . الساعة 06:22 ص بتوقيت القدس
لو رجعنا إلى الوراء سبعةً من الأعوام، حين أسرت "كتائب القسام" الجناح المسلح لحماس الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في عملية عسكرية نوعية، وما تلا ذلك من عدوان إسرائيلي طال الإنسان والحجر والشجر في قطاع غزة، بدا وقتها الجيش الإسرائيلي كأنه ثور هائج لا يرى أمامه، المشهد ذاته يتكرر الآن بعد الإعلان عن اختفاء أثر ثلاثة من جنود الاحتلال مساء الخميس. ورغم اختلاف ظروف الأسر في الحالتين مكاناً وزماناً، إلا أن حماس باتت في بؤرة الاستهداف الإسرائيلي المركز هذه المرة، خاصةً وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" حمّلها المسؤولية عن أسرهم، في حين ما زال الصمت من جانب الفصائل سيد الموقف. في حالة شاليط ، لم تتأخر حماس كثيراً في الإعلان عن أسره بعد 24 ساعة على العملية، ولم تفصح عن حالته الصحية إلا بثمن، يختلف حال الجنود الثلاثة المختفين منذ الخميس، فلم يتبنَ أي فصيل مقاوم حتى وإن كانت الأعين تتجه صوب حماس بحكم ما تملك من إمكانيات وقدرات. جن جنون الجيش الإسرائيلي الذي لم يتوصل حتى الآن إلى طرف خيط يوصل إلى جنوده، وشن حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات ونواب وأسرى محررين من حماس، وأطلق عملية في الضفة أشبه إلى عملية السوق الواقي التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون عام 2003 لتجفيف منابع المقاومة. يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية "نهاد الشيخ خليل"، إن حملة الاعتقالات، وما سيتبعها من إجراءات، تهدف إلى إجبار حماس على إعلان تبني عملية الأسر، وبعد ذلك يبدأ الضغط الدبلوماسي، والدخول في تفاوض مع حماس وهي تحت كل أنواع الضغط. ويؤكد هذا القول ما ذهب إليه المحلل السياسي في القناة الثانية الإسرائيلية "عميت سيغل"، في قوله أن "إسرائيل" منذ زمن طويل لا تعقد صفقات تبادل قبل أن تستنفذ الخيار العسكري". وهو ما حدث بالفعل في حالة شاليط وما تلاها من حرب وحصار ثم حربين قبل أن تصل إلى نهايتها بعد خمس سنوات بإخراج أكثر من 1024 أسير وأسيرة. لكن في حالة الجنود المختفين الآن تبدو الأمور أكثر تعقيداً خاصة عندما نتحدث عن وضع أمني معقد متشابك في الضفة بحكم وجود التنسيق الأمني عال المستوى بين أجهزة الضفة هناك ونظيراتها الإسرائيلية، الأمر الذي يضفي جانباً كبيراً من الضبابية على المشهد هناك. ويرى "أليكس فيشمان" المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرنوت أنه "في اللحظة التي نجح فيها الآسرون في إدخال الثلاثة إلى السيارة، نجح الأسر في واقع الأمر"، مشبهاً "محاولة احتجاز ثلاثة مأسورين أحياءً في الضفة الغربية" "بالجلوس فوق سقف مقر قيادة "الشباك" في محافظة القدس". أمام هذه الضبابية والتعقيد الأمني ينصح كثير من المراقبين بالتزام الصمت، وإبقاء العدو بحالة شح معلومات، خاصة وأن عملية أسر الجندي الشهير "فاكسمان"، فشلت بسبب اتصال هاتفي، في حين يؤكد المحلل الإسرائيلي عاموس هارئيل أن "المعلومات التي جُمعت عن عملية الاختطاف تشهد على درجة تخطيط وتنفيذ عالية غير عادية إذا قيست بمحاولات سابقة". أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح "عبد الستار قاسم" يقول إن مرور عدة أيام على عملية الأسر "ولا يوجد مؤشر على أن "إسرائيل" قد اهتدت إلى طرف خيط تبني عليه، مما يشير إلى أن العملية محكمة، وأن الخاطفين قد تدبروا أمرهم جيداً في إخفاء المأسورين، ولو لم يكونوا قد تدبروا أمرهم لقتلوا المأسورين وتخلصوا من عبء الاحتفاظ بهم". وأكد في مقال له "إذا كان الخاطفون فلسطينيين فإن العملية تشير إلى تطور في المفاهيم الأمنية الفلسطينية، وإستراتيجية أمنية جديدة تعتمد الكتمان المطبق. وقال: بالنسبة لـ"إسرائيل"، العملية عبارة عن إهانة كبيرة لأجهزة الأمن الإسرائيلية وللجيش الإسرائيلي، لقد أصيبت المخابرات الإسرائيلية بضربة قاسية أثبتت أنها ليست أخطبوطا ومن الممكن الالتفاف على كل إجراءاتها وأساليبها إذا توافر العقل الفلسطيني العلمي المدبر، مضيفاً "لقد أصيبت هيبة الجيش الإسرائيلي، وستلقى "إسرائيل" هزيمة كبيرة فيما إذا فشلت في العثور على الأسرى واضطرت في النهاية إلى القبول بتبادل الأسرى".