في مطلع التسعينيات خاض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال إضراباً قوياً عن الطعام وكان أحد مطالب الأسرى إدخال التلفاز على السجون... انتهى الإضراب وتحققت مطالب الأسرى من أهمها التلفاز، حيث أدخلت مصلحة السجون التلفاز على الغرف بدون أسلاك ترتبط بالمحطات الأرضية أو غيرها. ثار الأسرى فقالت مصلحة السجون الإسرائيلية " أنتم طلبتم جهاز تلفزيون ونحن أعطيناكم إياه" وبقيت أجهزة التلفاز داخل الغرف دون أي فائدة حتى تم إبرام اتفاق جديد لإدخال الأسلاك... إنها التفاصيل عزيزي. الاحتلال يهتم بأدق التفاصيل، وتفاصيل التفاصيل في أي مفاوضات معه. في اتفاق أوسلو كان الاحتلال الإسرائيلي عبر وفده المفاوض يعلم أدق التفاصيل... " الجَاجَة مين جابها، والبيضة مين باضها" وفي الطرف الآخر كان الوفد الفلسطيني يريد اتفاقاً بالجملة " أبو العْيال يجيِ جاي". وحسب نظرية صاحب المعلومة هو الأقوى، فقد وقَّع الفلسطينيون على مئات الصفحات " شِيلَة بِيلٓة" مناطق B,A,C, ومعابر وحدود ودولة وبطيخ أصفر ... لنستيقظ بعدها بأربع أعوام على "خازوق" محدب حاد الأطراف ومليء بالنتوءات اللعينة. اليوم اتفاق القاهرة بمطالبه البسيطة وصفه المحللون الإسرائيليون والساسة أيضاً أنه الأكثر تعقيداً وتفصيلاً منذ اتفاق أوسلو... بل وصفه وفد الاحتلال المفاوض بالعسير والصعب، لأن الفلسطينيين بدأوا يسألون عن "الجَاجَة مين جابها، والبيضة مين باضها"، وبدأ الاحتلال يريد اتفاق بالجملة يضمن وقف دائم لإطلاق النار، لكن التفاصيل أغرقته وأنهكته، وهذا ما لم يتعود عليه الاحتلال خلال السنوات الماضية من المفاوضات لأجل المفاوضات. معبر وميناء ومطار وبحر وبضائع... كلها مطالب إنسانية هي نفسها التي كان يطالب به المفاوض الفلسطيني من وقف للاستيطان ورفع للحواجز وفتح للمعابر وإخلاء سبيل الضرائب، لكن الصورة تختلف اليوم في نقطتين مهمتين أن المقاومة حاضرة والثانية أن الوفد الفلسطيني موحد، مما يحرج كافة الأطراف الدولية الغربية والعربية. [title]وأنا مالي يا أبو يزن دع الخلق للخالق[/title]