23.89°القدس
23.47°رام الله
22.75°الخليل
26.78°غزة
23.89° القدس
رام الله23.47°
الخليل22.75°
غزة26.78°
الجمعة 02 اغسطس 2024
4.83جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.09يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.83
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.09
دولار أمريكي3.79

لمن كان له قلب..

خبر: عائلة رسم الفقر خارطتها ونبت البؤس في أرضها

في منطقة منخفضة عن سطح البحر وسط حي بسيط، شارع رملي متعرج يقودك إلى دركات خمس تنزلها إلى مسكن تلامس سقفه بيدك، مسكن تحصي بداخله ثلاث غرف صغيرة تشبه كل واحدة منها زنزانة انفرادية. في ذلك المكان يعيش مواطن فلسطيني يدعى "ي.و" مع زوجته وستة من أبناءه وزد على ذلك الجد والجدة. "ي.و" ذو الاثنين والأربعين عاماً عاطل عن العمل، بعد أن شيب الهم شعره، دخلنا عليه وإذ به يحمل طفله الذي لم يتجاوز العامين، فقال مرحباً بنا: "إن خارطة الفقر التي رسمت في بيتنا إن صح أن نطلق عليه بيتاً قد حولت حياتنا إلى جحيم لا يطاق". فعرفت سيول الشتاء الملونة بمياه الصرف الصحي لمنزله طريق، ومع كل زخة من زخات المطر يكون للمنزل الصغير المتهالك نصيباً منها بل كل النصيب أحياناً لأن موقعه المنخفض يجعله مصب تلك المياه الحائرة. [title]لا نستطيع[/title] طفلته الكبرى "ب.و" (11 عاماً) تقول: "منذ صغري وأنا أواجه بكلمة "لا نستطيع" عندما أتمنى أي شيء ولو كانت من أبسط احتياجاتي، كنت أتساءل لماذا كل الأطفال يشترون وأنا لا؟ لماذا أهلي دائماً لا يستطيعون شراء أي شيء؟ لكن شيئاً فشيئاً بدأت أعرف السبب جيداً". وتتابع: "والدي لا يعمل، وعددنا كبير في هذا المنزل الصغير، بدأنا نتعود على وضعنا مع مرور السنوات، ولا أطالب والدي بأي شيء فوق طاقته حتى لا أزيد همومه، لذا فأنا – وكذلك أخوتي – نقدر وضعنا ولا نصارح والدينا بما نشعر به ونحتاجه حتى لا نزيد على همهم هم". وتستطرد: "بالنسبة للمدرسة فلا أشعر أن الفقر أثر علي من أي ناحية ولله الحمد فأنا عادية في مدرستي وعلاقتي بزميلاتي طيبة ولا أخجل من وضعنا المادي أمامهن، وإن كنت لا أبدي لهم أي حاجة أو طلب، لكنهن يعرفن وضعنا السيئ لقربهن من منزلنا". تتضايق "ب.و" كثيراً من طلبات المدرسات اللاتي لا تستطيع في كثير من الأحيان تلبيتها، وحين يسألنها عن السبب لا تستطيع مصارحتهن بحقيقة وضعها، فتخسف منها الدرجات. [title]الماء آثاره باقية [/title] والد "ي.و" الذي انحنى ظهره وضعف عوده، عندما تنظر إلى وجهه ترى خارطة الوطن مرسومة في تجاعيده، قال لنا - وهو يشير بإصبعه نحو أوساخ تراكمت على الجدران بفعل الرمال التي اعتلت أرضية المنزل نتيجة السيول التي اجتاحته- "كان منسوب المياه في المنزل ما يقارب المتر ويزيد"، وتشهد الآثار المتبقية على الجدار على كلامه. أما عفش البيت المتناثر في ساحته، والأكياس المحزمة بداخلها بقايا ملابس فلم تجد لها مكاناً، إلا على حبل ممدود على عرض البيت تنشر عليه، إضافة إلى أشلاء طقم نوم للوالدين المهشم. [title]طفل باك وكرة[/title] طفل آخر لـ"ي.و" لا يتجاوز الربيع السابع من عمره يدعى "ع.ي" حاله كحال بقية أفراد أسرته يرتدي ملابس بدت عليها آثار البؤس والحرمان، فجسده بان من خلفها وكأنه لا يرتدي شيئاً لأنه استيقظ من نومه وفرشته الصغيرة تسبح فوق المياه التي اقتحمت غرفته التي لا باب لها أصلاً لأن والده لا يقدر على شراء باب لها. المنزل الصغير لا يقي من حر الصيف ولا برد الشتاء، سقفه –إن صحت التسمية- لا يكاد يستر غرفه لكثرة ثغراته، أما بقية المنزل فلا سقف لها. وأثناء حديثنا مع الطفل "ع.و" قطع حديثه بكاء أخيه الصغير ذو العامين الذي انهمرت دموعه بين أحضان والده لأن طفلاً عبر من أمام منزلهم وبيده كرة، فطلب مثلها ليلعب فكان الصمت له جواب، وأثناء بكاء الطفل نظرت في عيني والده فرأيت العجز متربعاً بداخلها مع بعض التنهيدات القاتلة. حكاية تقع فصولها في كل لحظة يتجرع مرارتها أطفال في سن الورد خلف جدران لا تجد ساتراً لها سوى الله، فهل من مغيث لهم.