16.66°القدس
16.38°رام الله
15.53°الخليل
21.51°غزة
16.66° القدس
رام الله16.38°
الخليل15.53°
غزة21.51°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: قطع الخوفة

حكماء بلا طب كان أجدادنا ولم يقتصروا على معالجة الأمراض الجسدية بل أدركوا أن مرض النفس أشد خطورة، فاستحدثوا على بساطة الموجود ما ظنوا أنه يعالج أسقام الروح والجسد ولم يكن لليأس في قلوبهم مكان، فخفاء داخل الجسد عن عيونهم علقهم بالأسباب وبشيء من الدين وبشيء من الخرافة كذلك! أيامها كان أجدادنا يعتبرون الخوف مرضا وليس مجرد شعور طبيعي أو فطري أو عرضي، ففي ثقافة تقدس الرجولة والقوة وتحترم المرأة صاحبة القدرة حتى الطفل تنظر إليه كرجل ينتظر موعد شبابه لم يكن هناك مجال ولا سماح ولا تسامح مع"الخويفة". بل إنهم اخترعوا علاجا خاصا سموه "قطع الخوفة" يخضع من خلاله المريض بالخوف إلى "تمريج" وتدليك بزيت الزيتون في مناطق عصبية معينة من تجمعات الشرايين يؤدي كما كانوا يعتقدون إلى سحب الخوف من جسمه!! وكانوا يلاحظون تحسنا واضحا على المرضى وعودة للحيوية فيهم فيزداد يقنيهم بالتجربة التي عاشت حتى الآن في الطب الشعبي وفي قناعات الناس! وفي الوقت الذي ازدهر الطب في عصرنا وانتعشت صحة أجسامنا إلا أن أسقام أرواحنا وعقولنا زادت، وما من دراسة حديثة إلا وتبين ارتفاعا في نسب الأمراض النفسية والعقلية، فالخوف من كل شيء وأي شيء أصبح السمة الاميز لشعوبنا وأصبح التخويف سلاحا تستخدمه الأنظمة ضد شعوبها لمزيد من التركيع والاستبداد حتى أصبح المرء يخاف من خياله ولا يفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان حتى لا يذهب وراء الشمس إلى أماكن الداخل إليها مفقود، بل أصبح التهويل والمبالغة ديدننا وأصبحنا نخوف أنفسنا ونضع لها حدودها دون الاستعانة بعوامل خارجية! أصبح الخوف قرين أرواحنا ولصيقا بأجسامنا ينبع من داخلنا دون الحاجة إلى مؤثرات خارجية! ولكم أقعدنا عن رفع الظلم عن خاصة أنفسنا، هذا غير عموم الناس فأصبح حرمات المرء من نفس ومال وعرض لا تعني شيئا أمام استبداد المتسلطين وظللنا نعتصر أنفسنا وأعمارنا في تأمين ما نظنه عيشا كريما لنموت أذلاء وأرقاما لم تترك أثرا في الحياة سوى مزيد من ولادة وتفريخ خائفين جدد!! والمحكوم بالخوف يبحث دائما عن ملجأ وهذا لا يعانق الحياة ولا يصنع الحضارة فهذه تحتاج لأهل الحياة لا لأهل الكهف! أراد الله لنا أن نكون أحرارا فأمننا على أسباب الخوف التي تقعد الإنسان عن العمل وهي الحياة والرزق فلم يجعلها في يد احد سواه ليخلصنا من السلاطين أجمعين في حياتنا، ولكننا نأبى إلا نفهم فنرهن أنفسنا وأرزاقنا إلى بشر مثلنا لا يملكون التحكم في أنفاسهم إذا انحبست ولا بولهم وغائطهم إذا خرج أو انحبس! لقد قرعنا ابراهيم طوقان مرة فقال: كم قلت أمراض البلاد وأنت من أمراضها والخوف علتها فهل فتشت عن أعراضها أسرى نحن للخوف من داخل أنفسنا دون أن يمسنا أحد أو يقربنا وعلينا من ذوات نفوسنا مائة رقيب لا للخير وان للاحجام عنه ولقد علم منا رسولنا صلى الله وسلم منتهى الخوف بل الوهن في زماننا فجعل كلمة الحق، فقط الكلمة، من اعظم الجهاد! فهل قطع الخوفة هو ما نحتاجه لنعود أعزاء كرماء شجعانا؟ هل ينفعنا تمريج لعرق هنا وهناك أو تدليك لعصب وعضو لعل عروق الحياء والإيمان تنبض بالحياة بعد أن طقت وماتت ويبست؟ رحم الله عمر بن عبد العزيز يوم حرر نفسه بنفسه فلم يكن عليه سلطان سوى خوفه من الله فقال "كل يوم اخافه دون القيامة فلا وقاني الله شره" تحرر فانطلق فغير فترك أثرا لم يكن لغيره من أصحاب السلطان والجاه! من كان عنده جدة أو أم فليحضر الزيت وليستسلم صامتا ليديها لعل الطب الشعبي وبركة الوالدين تنفخ في موات أجسادنا وعروقنا شيئا من القوة