17.21°القدس
16.92°رام الله
16.08°الخليل
21.87°غزة
17.21° القدس
رام الله16.92°
الخليل16.08°
غزة21.87°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: عطيل ومصير المرتزقة

يظن الكثيرون بما فيهم نقاد الأدب أن مسرحية عطيل التراجيدية التي كتبها شكسبير هي مسرحية اخرى عن قصة حب لم يكتب لها النجاح ولا ينتبهون الى المضامين الاخرى الانسانية والسياسية ضمن جنباتها. فعطيل المغربي الذي باع نفسه وخلعها من جذورها وتبرأ من ماضيه ليصبح قائدا عسكريا في مدينة البندقية، درة الامبراطورية الرومانية وأحد أهم مراكزها الاقتصادية، ظل يعتبر غريبا ووافدا وطارئا بل لقد كانوا ينظرون اليه نظرة دونية عرقية ومحتقرة فقبلوا ان يحارب بسيوفهم ولكنه عندما رفع بصره وآماله ليوثق علاقته بهذا المجتمع بالزواج من احد نسائهم، ديدمونة، كان المصير مأساويا ودفع حياته ثمنا لهذه التطلعات، فالرومان استأجروا قوته وخبرته السياسية فقط ولكن عندما أراد ان يتجاوز الدائرة المسموحة له من الاسياد لفظوه كما تلفظ الجيفة!!! الغريب في الامر الرسالة الاخرى التي وجهها شكسبير حول مصير اولئك الذين يبيعون أنفسهم واهلهم ليحاربوا مع اعدائهم، فعطيل ذهب الى قبرص لمحاربة الاتراك، اخوانه في الدين والحضارة، فلاحقته الدماء واللعنات التي أراقها الى داخل بيته وأفسدت عليه حياته الى أن قتل زوجته بيديه بعد حب عاصف وتضحيات ولكن يبدو ان من يبيع نفسه يهون عليه كل شيء! ليس الأدب وهو ديوان الحضارات وخلاصة تجربة الأمم ببعيد عن السياسة فمن لا يتعلم دروسه يظل غرا وإن بلغ المراتب واكتسى بالرتب والشارات. الدرس ادركه ابن عباد حين فضل ان يضع يده في يد غريمه السياسي ابن تاشفين ولو أخذ ملكه فما يجمعهم فوق كل ملك دنيوي ولا ان يسلم نفسه وشعبه وتاريخه للفونسو، وقال قولته المشهورة «لئن أرعى الابل عند ابن تاشفين خير لي من ان ارعى الخنازير عند الفونسو» فخلد موقفه مثلا وقدوة تجرم كل الخونة والباعة ومنطق أهون الشرين وأحلى المرين مع الاعداء. وقد ظننا انه بنشوء الدول القطرية أصبح للدول جيوشها الوطنية من صفوة ابنائها الذين أقسموا على فداء ترابها بدمائهم والذين يعرفون لشدة تعلقهم بأوطانهم ماذا تعني الاوطان لابنائها فلا يفكرون في الاعتداء عليه مهما كان الثمن والاغراء! انه لمن المخزي ان يكون لبعض جنود العدو قيم أكثر من العرب فيستنكفون ويتمردون على اداء الخدمة العسكرية وقتال الفلسطينيين من الخوف والجبن احيانا ولكن بعضهم عن رفض مبدئي ايضا في الوقت الذي نفاخر فيه بغسيل دماغ جيوشنا التي سخرت قوتها للبطش بالشعوب في الداخل وللاستئجار لمن يدفع أكثر في القضايا الدولية. كنا نحتقر المومس تبيع جسدها من اجل حفنة دراهم فماذا عن بيع المبادئ والذمم والجيوش، أليست ذات التجارة بالبشر بين اللحم الابيض والعضلات العسكرية؟ أليست ذات السوق السوداء والتجارة الخاسرة؟ وماذا يختلف البغاء العسكري عن البغاء الاجتماعي؟! لقد كتب الفاروق عمر وصية منذرة لكل الجنود والجيوش على مر التاريخ وعرفهم بالعاقبة لكيلا يكون حجة لجاهل او متغافل فبعث لسعد بن ابي وقاص ابان القادسية: (أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو. وآمرك ومن معك أن تكونوا أكثر احتراسا من المعاصي منكم على عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. وإنما ينصر المسلمون بطاعتهم لله ومعصية عدوهم له، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإن لم ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليهم قوم شر منهم، كما سلط المجوس على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا). هناك عطيل ومصيره وهناك مصير الجنود الاحرار والجيوش الشريفة كجيش القادسية وليس من خيارات أخرى ولا يقولن أحد إنما أنا مأمور فالطاعة في الحق وللحق فقط!