18.57°القدس
18.31°رام الله
17.19°الخليل
23.04°غزة
18.57° القدس
رام الله18.31°
الخليل17.19°
غزة23.04°
السبت 12 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.3دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.3
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.76

خبر: تونس إذ نغبطها ونحسدها

محقون "التوانسة" إذا ما استشعروا الزهو بعدما فازوا بالحسنيين: الثورة والديموقراطية، وللأسباب التي تعرفونها نحن معذورون، إذا بادلناهم شعوراً بالغيرة والحسد. (1) الأهم في الانتخابات التشريعية التونسية التي أجريت يوم الأحد 26/10 أن الديموقراطية انتصرت، وأن الشعب التونسي اختار ممثليه بحرية وشفافية، وأن النتائج لم تعرف إلا بعد انتهاء فرز الأصوات في منتصف ليلة الإثنين، وتلك كلها «أخبار» جديدة في العالم العربي، وفي الأجواء التي عصفت بالربيع الذي أنعشت رياحه آمال الأمة وأحلامها في عام 2011م، وقد شاءت المقادير أن تنطلق تلك الأجواء من تونس، وألا يبقى لها أثر ظاهر بعد مضي نحو أربع سنوات إلا في تونس. أدري أن بعضًا يفضل قراءة الحدث التونسي من زاوية أخرى، ذلك أن الرياح المخيمة التي تعبر عنها أغلب منابر الإعلام العربي لن ترى الخير في انتصار الديموقراطية، وتواصل مسيرة الثورة في تونس، وانتقال البلد من النظام الجمهوري المزيف إلى النظام الجمهوري الديموقراطي، وليس ذلك راجعاً فقط إلى أن الديموقراطية في الأجواء الراهنة باتت كلمة تُستقبل في فضائنا السياسي بالامتعاض والاستياء (بعضٌ بات يرحب علناً بالفاشية ويدعو إليها وبعض يحتفي بذلك من دون إعلان)، وإنما هناك سبب آخر أهم من وجهة نظرهم، يتمثل في تراجع حظ حركة "النهضة" ذات المرجعية الإسلامية، إذ باتت تحتل المرتبة الثانية بين الأحزاب الفائزة، فأصبحت تحتل 62 مقعداً في مجلس النواب الجديد من بين 217 مقعداً، وكانت حصتها 89 مقعداً في انتخابات عام 2011م في المجلس التأسيسي الذي وضع الدستور. وفي الوقت الذي تراجعت فيه نسبة مؤيدي "النهضة" احتل المركز الأول هذه المرة حزب «نداء تونس» الليبرالي الذي يقوده الباجي قائد السبسي (88 سنة)، الذي كان أحد رموز حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، وهو ما يعني أن حركة "النهضة" لم يتراجع تأييدها فحسب، وإنما كان ذلك التراجع لمصلحة حزب ليبرالي يقوده أحد «فلول» النظام السابق (نظرًا إلى أن الرئيسين بورقيبة وبن علي ينتسبان إلى نظام واحد). ذلك كله صحيح لا ريب، ولكن الصحيح أيضاً أن ذلك التبدل في المواقع بناء على الاختيار الحر للشعب التونسي، بمعنى أن الخريطة السياسية التي خرجت بها الانتخابات لم يرسمها أو يفرضها أحد، ولكن الشارع التونسي هو الذي قررها، سواء أأعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. (2) المتابع لمنابر الإعلام العربي لا تفوته ملاحظة اهتمامها بالانتخابات التونسية لأربعة أسباب على الأقل: الأول أنها المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات ديموقراطية وحرة في البلاد، الثاني أن شرائح واسعة من المحللين اهتمت بمصير حركة "النهضة"، خصوصاً بعدما أصبحت هي الحزب الإسلامي الوحيد الذي يشارك بدور رئيس في السلطة في العالم العربي، الذي انقلبت دوله على ما سُمي الإسلام السياسي، الثالث أن نتائج الانتخابات سوف ترسم شكل النظام السياسي التونسي في المرحلة المقبلة، إذ ستحدد مصير الرئاسة والحكومة والبرلمان، وربما سياسة الدولة نفسها، الرابع أن حالة الاستقطاب المخيمة على العالم العربي التي كان الموقف من "الربيع العربي" والإسلام السياسي من أسبابها لم تعد تحتمل حياداً، وإنما باتت تترقب الحاصل في تونس للتعرف إلى الجانب الذي سيصطف فيه النظام التونسي. بالإطلال على المشهد التونسي إننا نجد أن 1300 قائمة حزبية وائتلافية ومستقلة اختارت أن تتنافس على 217 مقعداً لمجلس النواب المقبل، تتوزع على 33 دائرة انتخابية، 6 منها للتونسيين المقيمين بالخارج، والمرشحون تنافسوا بدورهم على 5,3 مليون ناخب من أصل 10,8 مليون تونسي هم كل سكان البلاد. لأول وهلة سنجد أن المرشحين توزعوا على معسكرين: أحدهما ما سُمي "جبهة الثورة" (14 كانون الثاني 2011م)، والثاني قدم نفسه على أنه يمثل "جبهة 7 تشرين الثاني"، الذي هو تاريخ تولي الرئيس السابق زين العابدين بن علي للسلطة في عام 1987م. والأولون كانوا يمثلون مختلف القوى والجماعات السياسية والنقابية التي اضطهدت بدرجات متفاوتة منذ الاستقلال عام 1956م حتى سقوط بن علي في عام 2011م. وأركان وأنصار تلك المرحلة السابقة على الثورة يوصفون في الأدبيات التونسية بالدستوريين نسبة إلى "الحزب الاشتراكي الدستوري" الذي أسسه الحبيب بورقيبة، والتجمعيين نسبة إلى "حزب التجمع الدستوري" الذي أسسه بن علي، والحزب الأول صار جزءاً من التاريخ، والثاني حلَّ بعد الثورة، إلا أن ذلك لم يمنع المنتسبين إليهما من المشاركة في الحياة السياسية بالدخول في أحزاب حملت مسميات جديدة. على المستوى السياسي والفكري إن التنافس ظل قائماً بين ثلاثة معسكرات سياسية، أحدها ضم الأحزاب والشخصيات التي مارست السياسة قبل الثورة، وكان حزب «نداء تونس» في مقدمتها، ومع أن أعضاءه كانوا من رموز المرحلة السابقة إن السبسي الذي أسسه انفتح بدرجة أو أخرى على بعض اليساريين والنقابيين المستقلين، وقدم حزبه على أنه كيان وطني ليبرالي. الكتلة الثانية ضمت الأحزاب التي أعلنت انتماءها العربي الإسلامي، وفي المقدمة منها حزب حركة النهضة الذي يقوده الشيخ راشد الغنوشي الذي دخل في تحالف مع أحزاب أخرى، منها "حزب المؤتمر" برئاسة الرئيس الحالي المنصف المرزوقي الذي يُعدّ علمانيّاً معتدلاً. أما الكتلة الثالثة فضمت قوى اليسار الماركسي والقومي والبعثي، ومن بينها حزب "الجبهة الشعبية" الذي يرأسه حمة الهمامي الأمين العام لـ"حزب العمال الشيوعي"، و"حزب التكتل" الذي يرأسه الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي الحالي. (3) معركة التنافس على مقاعد أول مجلس نواب لتونس الديموقراطية لم تكن الأولى بين القوى السياسية بعد الثورة، لكنها كانت بمنزلة جولة في الصراع الذي لم يتوقف بين مختلف القوى طوال السنوات الثلاث التي أعقبت الثورة، من ناحية لأن ذلك من طبيعة مرحلة الانتقال من النظام السلطوي المستبد إلى النظام الديموقراطي، ومن ناحية ثانية بسبب قوة منظمات المجتمع المدني التي لم ينجح نظام بن علي في القضاء عليها، فتنافست في إِثبات الحضور وأداء دورها بعد سقوط نظامه. خلال السنوات الثلاث الأخيرة وقعت أحداث مثيرة عدة لا مجال للتعرض لها في السياق الذي نحن بصدده، لكننا ينبغي أن نسجل أربع ملاحظات على الكيفية التي أديرت بها تلك المرحلة الانتقالية، هي: ـ أن النخبة السياسية مع كل ما كان بينها من خلافات ومرارات لم تتخل عن الحوار فيما بينها طول الوقت، ولذلك نجحت في تجنيب الثورة مزالق ومآزق كثيرة، كان من أبرزها محاولة الانقلاب على النظام وإسقاط الحكومة في صيف عام 2013 م بالدعوة إلى الاعتصام، وتشكيل ما سُمي "جبهة الإنقاذ"، وإطلاق حملة شبيهة بحركة "تمرد" في مصر، وهي المحاولة التي استلهمت التغيير الذي حدث في مصر وحاولت أن تحتذيه. ـ الملاحظة الثانية أن الصراع والتجاذب ظلا سياسيّين ومدنيين طول الوقت، إذ ظلت القوات المسلحة ملتزمة الحياد وواقفة خارج المشهد. ـ الثالثة أن حركة "النهضة" نجحت في تقديم أنموذج جسّد المصالحة مع الديموقراطية من جهة، ومع الاعتدال العلماني من جهة ثانية. ـ الرابعة أن حركة "النهضة" تعاملت مع مجريات الصراع بدرجة عالية من الوعي والمرونة؛ فهي ابتداءً حافظت على مسافة بينها وبين التطرف السلفي، الذي أدانته من البداية، ووصفه وزير الداخلية علي العريض قبل توليه رئاسة الحكومة بأنه تيار إرهابي ترفضه الحكومة وتنبذه، من ناحية ثانية إن قيادة الحركة أعلنت في أكثر من مرة التزامها بما أسمته ديموقراطية التوافق التي هي مطلب مهم لإنجاح الثورة في مرحلة الانتقال، وارتأى رئيسها راشد الغنوشي أن ديموقراطية الأغلبية لا تناسب تلك المرحلة، ولذلك إن الحركة حرصت على ذلك التوافق في كل خطوة أساسية، وقدمت في سبيل ذلك تنازلات كثيرة، كان منها استبعاد النص في الدستور الجديد على أن تكون الشريعة مصدر القوانين. (4) بعد النتائج التي انتهت بها الانتخابات إن حركة النهضة دفعت ثمن إدارتها لأزمات تونس، وتحملها عبئها طوال ثلاث سنوات، وانتقلت من صدارة المشهد إلى صفه الثاني، الأمر الذي يبقيها شريكة في القرار السياسي وليست صانعة له، وهذا الوضع المستجد يستدعي أسئلة عدة عن موقف تونس من الاستقطاب العربي، خصوصاً أن النتائج حسمت تقريباً منصب رئيس الجمهورية، الذي يتوقع أن يشغله السيد قائد السبسي، بدلًا من الرئيس الحالي الدكتور المنصف المرزوقي (للعلم: السبسي دعي لزيارة أبو ظبي قبل الانتخابات)، من ناحية ثانية ليست معروفة طبيعة العلاقات المستقبلية بين الليبراليين وحركة "النهضة"، وهل ستتجه صوب الوفاق أم الشقاق. ستتضح الأمور أكثر بعد الانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تجرى في 23 تشرين الثاني المقبل، وحينها تستدعى بقية الأسئلة، إلا أن أكثر ما يهمنا الآن أن الثورة في تونس بخير، وكذلك الديموقراطية، وهو ما نحسدهم عليه.