19.38°القدس
19.02°رام الله
17.75°الخليل
23.56°غزة
19.38° القدس
رام الله19.02°
الخليل17.75°
غزة23.56°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: الرؤية السياسية لحماس

يناقش هذا البحث "رؤية حماس السياسية" في قضايا محددة، وهي (الدين والدولة، والوطنية والعلمانية، والديمقراطية وسلطة الشعب، والتعددية السياسية، وحقوق الإنسان)، بغرض التعرف إلى موقف حماس النظري والعملي من هذه القضايا، ويتعمد الباحث في مقاربته على المحددات الفكرية والسياسية التي تحدثت عنها وثائق حماس المكتوبة، أو تلك التي وردت في تصريحات قادة الحركة، مع الاستعانة بما قدمه الفكر السياسي الإسلامي في هذا المجال، وتحديدًا ما قدمته حركة "الإخوان المسلمون". "فلسطين" تنشر البحث في عشر حلقات. (1-10) في الفكر السياسي لحماس: ثمة فرق بين "الفكر الإسلامي" و"الإسلام" نفسه، فالفكر الإسلامي هو صنعة المسلمين العقلية لتحقيق مصالح المجتمع، وخدمة المبادئ الدينية عامة، أما الإسلام فهو وحي، وسنن ثابتة، وبناء عليه إن الفكر قابل للتطوير والتغيير والتعدد في وجهات النظر، بحكم الواقع المتغير، واختلاف المجتهدين، لذا إن الالتزام بنتائج الفكر مرتبط باتساقه مع القواعد والأصول الإسلامية العامة. إن إدراكنا "الفرق" المذكور آنفًا ضروري لفهم رؤية حماس الفكرية والسياسية في قضايا البحث التي تدور حول: (الدين والدولة - والوطنية - والعلمانية - والديمقراطية - والتعددية – وحقوق الإنسان)، نظرًا إلى أن هذه العناوين من مكونات الرؤية السياسية الفكرية، وأن "الإسلام" وضع في مجال السياسة أحكامًا عامة هي مرجعية ملزمة حاكمة على التفاصيل التي يصطنعها المسلمون لإدارة شئونهم وخدمة مصالحهم بحسب مقتضيات ظروفهم الزمانية والمكانية والحضارية المتغيرة، ومن حقهم إقامة المؤسسات، واصطناع الآليات اللازمة لتحويل الأحكام العامة أو المبادئ الإسلامية العامة إلى أعمال منظمة بآليات ومؤسسات محددة، وهذا ما نطلق عليه الفكر السياسي لحماس. حركة حماس حركة تحرر وطني فلسطينية ذات مرجعية إسلامية، وقد عرّفت نفسها في ميثاقها بأنها "حركة المقاومة الإسلامية، الإسلام منهجها، ومنه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها"، وإنها حركة مقاومة تعمل لتحرير الأرض والإنسان لكنها "ليست مجموعة عسكرية بل حركة تحرر شامل، تعمل في مختلف المجالات والميادين، ولها أهدافها ورؤيتها السياسية، وهي حركة شعبية تعيش هموم شعبها في الداخل والخارج، وتدافع عن مصالحه وتعنى بخدمته"، وحددت صلتها بحركة "الإخوان المسلمون"، فقالت عن نفسها إنها "جناح من أجنحة "الإخوان المسلمون" في فلسطين". لا يبدو أن فكرة "الجناح" تتمتع بالدقة الكافية؛ لأنها قد تعني أن في فلسطين تنظيمين: الأول للإخوان، والآخر لحماس، والواقع ليس كذلك، ويبدو أن كلام أحمد ياسين في "شاهد على العصر" أكثر دقة إذ قال: "نحن "إخوان مسلمون"، ونحن امتداد للإخوان في كل العالم"، ويقول خالد مشعل: "إن حركة حماس ليست جزءًا من الإسلام السياسي، ولكنها جزء من المقاومة بالأساس، ونسبتها أولى إلى حركة التحرر الوطني". وبناء على ما تقدم يمكن أن نقول: إن مصادر فكر حماس السياسي تتشكل من: 1- الفكر السياسي الإسلامي العام الذي أنتجه المفكرون الإسلاميون قديمًا وحديثًا. 2- فكر "الإخوان المسلمون" السياسي وفهمهم للإسلام. 3- فكر قادة حماس ومفكريها وكوادرها وأدبياتهم السياسية. وأجدني محتاجًا للمصدرين الأول والثاني في مقاربتي لرؤية حماس السياسية موضوع البحث؛ لقلة معلومات المصدر الثالث، ولهذه القلة التي وصفها خالد الحروب بـ"الندرة" على مستوى التنظير ما يبررها، كنقص الخبرة الفكرية الخاصة والتجربة السياسية، والانشغال بالانتفاضة والمقاومة وتداعياتها، وقبل أن أدخل في قضايا البحث أود أن أسجل الملحوظات التالية: 1- قلة الدراسات التي تنتمي إلى حماس، وقاربت مفردات البحث بشكل مفصل أو متكامل، وما وجدناه منها يتصف بالعموم، أو ينشغل بالوقائع التاريخية وتطوراتها. 2- لم يتعرض ميثاق حماس بشكل مباشر، أو مفصل لرؤية حماس السياسية، وغلبت عليه الرؤية العامة الأخلاقية دون السياسة المحددة. 3- لم تحظ قضايا الديمقراطية، والتعددية، والدين والدولة، والوطنية والعلمانية بالأولوية التي حظيت بها المقاومة والدعوة عند حماس، وحين شكل ياسر عرفات السلطة بعد اتفاق (أوسلو) لم يدفع هذا التشكيل حماس نحو السياسة وبناء نظرية خاصة بها. 4- إن طبيعة الصراع مع الاحتلال، وانشغال حماس بقضاياه ومخرجاته، وتداعياته مع غياب الأمل بقرب قيام الدولة، أخرج قضايا البحث المذكورة من طريق الاهتمام. 5- لا تمثل حماس تيارًا فكريًّا خاصًّا في فهمها للديمقراطية، بل إن فهمها هو جزء من فهم التيار الإسلامي العام، ولا يخرج فكرها السياسي عن الآراء الراجحة للمفكرين الإسلاميين، المطالبين بالمرونة، والحوار مع منتجات الآخر والبلاد الديمقراطية. 6- من المفيد أن يستعين البحث بالممارسة العملية لحماس، وتحديدًا مشاركتها في الانتخابات والحكومة في 2006م، إضافة إلى القانون الأساسي الفلسطيني، إذا احتكمت إليه تجربة حماس السياسية في الحكم. 7- من المفيد أن نشير إلى أن الفلسطينيين افتقدوا الدولة منذ عام 1948م، وما زالوا يفتقدونها حتى الآن، ولم تتمكن السلطة من إقامة مؤسسات الدولة، ولا من إعداد ما يلزم من دستور وقوانين منظمة لحياة السياسية بشكل مكتمل، وانصرف اهتمامها نحو إزالة الاحتلال والعدوان، وممارسة الحكم وإجابة متطلباته اليومية. الدين والدولة لا تختلف "حماس" عن "الإخوان المسلمون" في رؤيتها للدولة وفي تحديد وظيفتها، ووجوب إقامتها، الدولة في الفكر الإسلامي "أداة ضرورية" لتنفيذ أحكام الشريعة، وحراسة الدين، وتحقيق مصالح المجتمع وسياسة أفراده، ولأنها كذلك، ولا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، على حدّ تعبير "راشد الغنوشي"؛ جعلت حماس مقاومة الاحتلال، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية على رأس مهامها الدعوية والسياسية. تدعو حماس إلى إقامة دولة "إسلامية"، ولا تدعو إلى إقامة دولة "دينية"، وفي هذا السياق ترفض فكرة "فصل" الدين عن الدولة، وتراها فكرة غربية مستحدثة تنبع من تجربة خاصة لا علاقة للبيئة العربية والإسلامية بها، وفي المقابل تدعو إلى فكرة "الشمول" التي تجمع بين السياسة والدين، وتسير على نهج حسن البنا في قوله: "الحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد، والأصول، لا من الفقهيات والفروع، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء، لا ينفك أحدهما عن الآخر". تؤكد حماس أن السياسة جزء من الدين، فالموقف السياسي عند إبراهيم المقادمة هو فتوى شرعية بشكل من الأشكال، ولذا دعا علماء المسلمين إلى الاشتغال بالسياسة قائلًا لهم: "أنتم أولى بالعمل في السياسة؛ فأنتم تفهمون دين الله، وتفهمون مصالح الأمة". ودعوة "المقادمة" هذه تنبع من تجربة خاصة فلسطينية عربية، إذ تفرّد بالحكم الليبراليون واليساريون عقودًا طويلة، إن انتقاد حماس والإخوان للدول والحكومات العربية ينبع من أنها لم تقم بواجباتها الوظيفية في حفظ الإسلام، وتنفيذ أحكامه على الوجه المطلوب شرعًا، ولم تحقق للأمة نهضة وعزة وتقدمًا. فلسطين ليست دولة، وإنما سلطة بلا سيادة حقيقية، فهي "أقل من دولة"، لذا إن النقد الذي توجهه حماس إلى السلطة وإلى الدول العربية يعبّر عن حرص حماس على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، تقوم بمسئولياتها التي حددها الفكر الإسلامي دون تدخل من الاحتلال أو من غيره. إن رفض حماس فكرة "الفصل" وتبني فكرة "الشمول" لا يعنيان أنها تدعو إلى حكومة دينية "ثيوقراطية" في فلسطين؛ فالفكر الإسلامي السياسي الذي تتبناه حماس يرفض الدولة "الدينية"، ويدعو إلى دولة "مدنية" ذات مرجعية إسلامية، ولا يقبل وصف دولة الخلافة الراشدة بالدولة الدينية. الأمة في الفكر الإسلامي هي "مستقر السيادة والسلطة (...)، والدولة مفوّضة من قبل هذه الأمة للقيام بما يفوّض إليها من صلاحيات ومهام"، وهذا التفويض يمنع الدولة من تجاوز الأحكام القطعية في الشريعة الإسلامية، وقد تكرر رفض الحكومة الدينية على ألسنة قادة الإخوان وقادة حماس، إذ رأى (عبد القادر عودة وحسن العشماوي ومأمون الهضيبي)، ونقله عنهم آخرون: أنه ليست هناك دولة دينية في الإسلام، تدعي أنها صاحبة حق إلهي في الحكم، أو أنها لا تخطئ، مع ضرورة التزامها بالأصول الإسلامية، وبذلك تستطيع الأمة أن تمارس دورها في التقويم أو العزل، يقول جمال منصور: "ليس في الإسلام حكم ثيوقراطي، يعلن أنه إرادة الله في الأرض"، وأعلن الخليفة الأول بوضوح خضوعه للقانون ولإرادة الأمة بقوله: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".