أشتم رائحة شيء يحبنا ونحبه يقول أحدهم.. نعم إنه السحلب.. تسارعت خطواتنا فإذا بالمشروب الأبيض المزين بالمكسرات وما طاب جاهز ينتظرنا في بيت العائلة. نعم لا تستغربوا فالسحلب اليوم وإن كان له تاريخ طويل، إلا أنه بمثابة وحدة التدفئة المركزية لأهل غزة، فقليل من الحليب المغلي يضاف إليه السكر والنشا ومع قليل من التحريك حتى يصبح المزيج كثيفاً بعض الشيء، نحصل على هذا الشراب الذي أصبح علامة مميزة من علامات شتائنا الذي نحب. بعض الناس يستطيعون تزيينه برش وجه الأكواب ببعض المكسرات مضافاً إليها القرفة والزنجبيل لمن يرغب. لكن هل تعلمون أن ما نشربه اليوم ما هو إلا محاكاة للسحلب النباتي الذي لا نستطيع اليوم شراءه لغلاء ثمنه، فهو في أصله نبات وله مسميات عديدة فيعرف شعبياً باسم "خصي الثعلب"، وأخذت هذه التسمية من الاسم العلمي للسحلب الذي يعرف باسم "orchis mascula". لا تستغربوا فالسحلب الأصلي هو عشب معمر ينمو بارتفاع 60 سم، ويحتوي على أوراق ضيقة ملطخة بلون أسود، وللساق أزهار بنفسجية، الجزء الذي يستخرج منه السحلب هو الجذور التي تطحن فتصبح نشا حقيقي.وما لا تعرفونه عن السحلب الأصلي أنه منشط عام للجسم، ومقوي للدورة الدموية، وهو مشروب قابض لذلك يعتبر مفيد جداً في حالات الإسهال ووقف نزيف المعدة وعلاج للقرحة والاثنى عشر والأمعاء، كما يستخدم كعلاج للمصابين بالمغص المعوي ونزلات القولون والسل. يعني بالمختصر ما يعرف حالياً بالسحلب ما هو إلا (مهلبية) سائلة لا تحوي أياً من فوائد السحلب النباتي الأصلي، سوى أنها قد تكون قابضة للأمعاء؛ لاحتوائها على النشا، وطبعاً وسيلة فعالة للتدفئة الأسرية في غياب المدفئة الكهربائية بفعل غياب الكهرباء عن بيوت غزة لأكثر من 16 ساعة يومياً.بالمناسبة اليوم صناعة السحلب لا يشترط أن يكون معده صاحب مهارة خارقة، فعلى خطى "هين مالك ولا تغلب حالك" أصبح لدينا اليوم سحلب جاهز يباع في الأسواق بأثمان قد تبدو للبعض زهيدة ولكثيرين رأي آخر. لكن في المحصلة أصبحت صناعتها لا تحتاج لمهارة فائقة فغلي بعض الماء أو الحليب وإضافة المسحوق الجاهز وغليه قليلاً يخرج الإنجاز وتتفاخر هذه وتلك بصناعته وكأنها "صنعت صاروخاً". في النهاية نتمنى لكم شتاء دافئاً بدفء علاقاتكم الأسرية الرائعة وبطعم السحلب اللذيذ.. دمتم دافئين.