19.68°القدس
19.38°رام الله
18.3°الخليل
23.84°غزة
19.68° القدس
رام الله19.38°
الخليل18.3°
غزة23.84°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: تتحررُ فلسطين بتنقيةِ الصّفِّ من الفاسدين

يلاحظ المتأمل في تاريخ القدس أنها مركز الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل منذ أقدم العصور، وأنها خضعت لحكم الباطل مرات عدة، مددًا طويلة أحيانًا، ولم يتمكن أهل الحق من تحريرها في كل مرة إلا بنوعية منتقاة من القادة والجنود، تتوافر فيهم ثلاث صفات هي: الإيمان والالتزام، والجهاد. وقد أدرك الأنبياء والأولياء الذين قادوا جيوشهم لتحرير القدس هذه الحقيقة، فكانوا يُنقُّون صفوفهم من العصاة وضعاف الإيمان وأصحاب الأهواء وأهل النفاق وعشاق الدنيا قبيل كل معركة يخوضونها، وكانوا يصرون على هذه التنقية مع أنها ستقلِّلُ أعدادهم. فهذا نبي الله المسلم يوشع بن نون (عليه السلام) ينقّي صفه قبيل خوضه معركة تحرير القدس سنة 1190 ق.م، فيستبعد كلًّا من الخاطبين الذين ينتظرون الزواج، والذين بنوا بيوتًا ولم يُتمُّوا سقوفها، والذين ملكوا أنعامًا لم تلد بعد، وقد تشدد في ذلك ليضمن نقاء صفه تمامًا ممن تعلقت قلوبهم بالدنيا؛ لعلمه أن القدس لا تُحرّرُ إلا على أيدي الزاهدين. وقد ورد خبر تلك التنقية في حديث رواه البخاري ومسلم، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "غَزَا نَبِيٌّ من الْأَنْبِيَاءِ فقال لِقَوْمِهِ: "لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وهو يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بها، وَلَمَّا يَبْنِ بها، ولا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا ولم يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، ولا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أو خَلِفَاتٍ وهو يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا"، فَغَزَا فَدَنَا من الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أو قَرِيبًا من ذلك، فقال لِلشَّمْسِ: "إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وأنا مَأْمُورٌ، اللهم احْبِسْهَا عَلَيْنَا"، فَحُبِسَتْ حتى فَتَحَ الله عليه"، لقد وصل إلى أرض الميدان وقت العصر، وهو يرغب في حسم المعركة قبل غياب الشمس؛ لأن القتال يتوقف عادة بعد غيابها، وقد استجاب الله دعوته؛ لأنه قابل عدوه بصف مسلم مؤمن نقي تقي مجاهد، وأخذ بكل ما استطاع من أسباب، فأوقفت دعوته الشمس، إلى أن نصره الله على أعدائه، ومكّنه من تحرير القرية المؤدية إلى القدس. وهذا الملك المؤمن طالوت يعد لمعركة تحرير القدس بعد أن سقطت في قبضة الباطل المتمثل في جالوت وجنوده من الآشوريين سنة 1150ق.م، وقد أدرك طالوت أن التحرير لن يتحقق إلا بصف مسلم نقي تقي مجاهد، مهما كان عدده قليلًا، فقرر أن ينقي جيشه الذي بلغ تعداده ثمانين ألفًا باختبارهم، ويحدثنا القرآن الكريم عن ذلك، فيقول الله (تعالى): {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ولم ينجح في هذا الاختبار، ويشارك معه في معركة التحرير (ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره نقلًا عن البخاري) إلا ثلاثمائة وبضعة عشر مؤمنًا. وبهذه القلة المسلمة المؤمنة التقية المنتقاة الراغبة في الجهاد نجح طالوت في تحرير القدس سنة 1025ق.م بعد بقائها تحت الاحتلال الآشوري 125 سنة، {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}. وقد وصل نبي الله المسلم داود (عليه السلام) إلى حكم بيت المقدس سنة 1004ق.م، وتولى بعده ابنه سليمان، واستمر إلى سنة 923ق.م، وقد أقام النبيان المسلمان دولة خلافة إسلامية شملت بلاد الشام، وكانت عاصمتها القدس، وعندما توفي سليمان انحرف أتباعه من بني إسرائيل، وقسمت مملكته إلى دويلتين، هما: يهودا في جنوب فلسطين، وإسرائيل في شمالها، وظل الانحراف يزداد إلى أن عبدوا الأصنام، فسلط الله الآشوريين بقيادة سرجون الثاني سنة 721ق.م على مملكة إسرائيل فدمروها واحتلوها، ورحّلوا سكانها، وسلط نبوخذ نصر على يهودا فدمرها وسبى بني إسرائيل سنة 586ق.م، وخضعت القدس للاحتلال البابلي، وظلت القدس منذ ذلك الوقت في قبضة أهل الباطل، يتعاقب عليها المحتلون إلى أن احتلها الرومان سنة 37ق.م، وبقيت في أيديهم إلى أن أتت الفئة المؤمنة النقية التقية الملتزمة المجاهدة التي تربت في مدرسة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، فنجحت في فتحها وتحريرها من أيدي الباطل المتمثل في الإمبراطورية الرومانية، إذ تسلم مفاتيحها الخليفة عمر بن الخطاب سنة 16هـ/ 637م، بعد أن هزمت جيوشه الرومان في معارك عدة، وأحكمت حصارها للقدس. وظلت القدس تحت حكم المسلمين إلى أن انحرفوا عن دينهم، وتعلقت قلوبهم بالدنيا، وقل إيمانهم والتزامهم، وتقاعسوا عن الجهاد، فسقطت تحت حكم الصليبيين سنة 492هـ/1099م، ولم تتحرر إلا سنة 583هـ/1187م بصفٍّ مؤمن ملتزم مجاهد انتقاه صلاح الدين من المجتمع المسلم الذي أحسن بناءه وإعداده قبله نور الدين محمود بن زنكي. وها هي تعاني منذ 1917م من احتلال الباطل، وقد تأخر تحريرها؛ لأن الجيوش ورؤساءها الذين واجهوا المحتلين لم تتوافر فيهم الصفات اللازمة للتحرير، لكن الأمل كبير في شباب فلسطين، وفي شباب الأمة المؤمنين الملتزمين الأتقياء الأنقياء المجاهدين الذين واجهوا دولة الباطل اليهودية، ومرّغوا أنوف قادتها وجنودها وكسروا شوكتهم، وقهروا دولتهم، في حروب ثلاث شنوها على غزة في ثماني سنوات.