18.88°القدس
18.57°رام الله
17.75°الخليل
24.32°غزة
18.88° القدس
رام الله18.57°
الخليل17.75°
غزة24.32°
الأحد 29 سبتمبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.7

خبر: العميل "جاسم": مرض ابنـتي.. عجّـل بتوبتي

في ساعةٍ متأخرة من ليلة أردف صفاء سمائها بالنور على قلوب العاصين, ليضيئها من جديد, جاب الشوارع والأزقة بسيارته لا يعلم أين يولي وجهه, توقف فجأة وركن سيارته جانباً وترجل منها ,ودموع الندم تُذرف على وجنتيه البائستين, رفع رأسه للسماء وقال بصوت الإنسان الضعيف الراجي لرحمة ربه, لينطق بلسان أثقلته الخيانة بردائها "اللهم إني أسلمت لك نفسي فاشف ابنتي". كانت تلك الكلمات هي الفاصل الذي تغيرت بعده حياة "جاسم" _ اسم مستعار _ لتشكل له سفينة النجاة والخلاص من وحل العمالة إلى طريق الصلاح والتوبة. كان شاباً في العشرينات من عمره, صاحب عقلية سليمة, وقلم متزن, كانت مقالاته تجوب الوسائل الإعلامية الإلكترونية المختلفة, وكانت كلماته تصدح بمعانيها الرزينة, هو شابٌ طموح كان يبحث عن طريق يوصله للمجد فاختار طريقاً مُهلكاً تهيأت له سبل الانغماس بوحلهِ وهو طريق "العمالة". ومن هنا تبدأ قصة "جاسم" الإنسان التائب يقول لـ"دنيا الوطن" من داخل إحدى مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة لوزارة الداخلية بغزة: "عملت في مجال الصحافة بعد أن أتممت دراستي الجامعية, وبين مقالٍ هنا ومقالٍ هناك تعرَّفت على شخص أجنبي, نشأت بيننا علاقة صداقة طبيعية استمرت لمدة ثلاث سنوات وخلال هذه الفترة زادت علاقتي به دون أن تتداخل إلى نفسي أي شكوك اتجاهه". ويتابع: "وبعد تلك السنوات جاء الأجنبي ضمن وفد إلى قطاع غزة بعد العدوان "الإسرائيلي" عليها عام 2008 /2009م ليلتقي بي وتتحول علاقة الصداقة إلى علاقة عمل من خلال تجهيز مركز دراسات يبحث ويهتم بالأمور الداخلية لأهالي قطاع غزة". وفي تلك الفترة تعرف "جاسم" عن طريق صديقه الأجنبي على شخص آخر يدعى فؤاد من مدينة الناصرة بأراضينا المحتلة, ليقوم بالتواصل معه فيما يخص شؤون المركز والمتطلبات التي يسعى المركز إلى تحقيقها. ومضى يقول: "استمر العمل بهذا المركز بشكل طبيعي لمدة أشهر دون أن يكون هناك أي شيء مريب أو غير اعتيادي , حيث قمنا بتجهيز دراسات حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل قطاع غزة ويقوم بعمل تلك الدراسات الموظفين التابعين للمركز والذي كان عددهم نحو 25 موظفاً". ويضيف: "يقوم الموظفين بإعداد تلك الدراسات من خلال جمع البيانات من المواطنين ووضعها داخل استبانات خاصة بذلك وبعدها يتم جمعها وإرسالها للجهة المعنية". لكن بعد تلك الفترة بدأت الشكوك تتداخل في قلب "جاسم", بعد أن طلبت منه الجهة الخارجية المشرفة على المركز عمل دراسات متعلقة ببعض التنظيمات وشخصيات معينة داخل القطاع. رفض "جاسم" في بداية الأمر التعامل مع هذه الدراسات لخطورتها الأمنية، ومع عناده الزائد بدأ اللثام ينكشف عن الوجه الحقيقي لتلك الجهة الخارجية فقد تبين له أن القائمين عليها هم رجال مخابرات "إسرائيليين" بعد أن جاءه اتصال من فؤاد الذي تعرف عليه سابقاً وأخبره أنهم رجال مخابرات وهنا كانت الصدمة التي لم يتوقعها جاسم. يقول "جاسم": "أصررت برفضي بعدم التعامل معهم وإعطائهم أي دراسة مشبوهة يطلبونها , عندها بدأت التهديدات تارةً بعدم السماح لي بالسفر وطمس طموحي وهو ما حدث فعلاً حيث تم إرجاعي من السفر مرات عديدة وتارةً أخرى بالتهديد بقتل أهلي". ويكمل حديثه: "في المقابل ومن ناحية أخرى كان هناك إغراءات كثيرة كالسفر والمال والوظيفة المحترمة إذا ما انصعتُ لأوامرهم". وبين هذه الإغراءات وتلك التهديدات خضع "جاسم" لمطالب رجال المخابرات وأصبح يعد الدراسات المشبوهة ومن ثم يرسلها لهم, فبدأ بعمل دراسات معينة لبعض الشخصيات والأحزاب كـ "مدى تشابه تنظيمات معينة داخل قطاع غزة مع جهات خارجية". وكان موظفي المركز هم من يجهزوا تلك الدراسات لكن بطريقة معينة تضمن عدم معرفتهم بطبيعة العمل الذي يقومون به , فقد كانت تنتهي جميع دراساتهم الشكلية بين يدي "جاسم" الذي كان هو رأس الهرم بذلك المركز. وبعد إعداد تلك الدراسات وإعطائها "لجاسم" يبدأ عمله عن طريق تجميع بعض النقاط التي كان قد دسها داخل استبانة كل دراسة من الدراسات التي جهزها الموظفون , وبعد تجميعها يضعها داخل دراسة واحدة قد تم طلبها مسبقاً من رجال المخابرات "الإسرائيليين". وبعد ذلك يتم إرسال تلك الدراسات بطرق مشفرة جداً يصعب على أي شخص أن يحصل عليها وحتى وإن تمكن أحد من الحصول عليها لن يستطيع فك رموزها, وبالتالي لن يستفيد منها ولن يتمكن أحد من كشف تلك الطريقة , وقد تم إنهاء 14 دراسة أمنية تتعلق بالتنظيمات والأشخاص خلال فترة عمل المركز. استمر العمل داخل المركز على هذه الشاكلة وفي تلك الفترة يقول "جاسم": "كنت في تلك الفترة إنسان مغيب بعيداً عن ربي وديني , غرَّتني الأموال والرواتب التي كنت أتقاضاها جراء ذلك العمل والتي كانت تُقدر بنحو 10 آلاف شيكل شهرياً". وبعد فترة من الزمن جاء قدر الله بأن تمرض ابنت "جاسم" بحمى شديدة وهي اللحظة التي قال عنها "جاسم" "اللحظة التي أراد لي ربي بها أن أرجع إليه وأتوب عما أنا فيه". توجه بها إلى إحدى العيادات الخاصة فقد كانت درجة حرارتها عالية جداً وبعد أن كشف عنها الطبيب قال له: "قد تكون ابنتك مصابة بمرض السحايا ومع الصباح سيتبين ذلك اذا لم تنخفض درجة حرارتها". يقول "جاسم" : "كنت أعلم أن ذلك المرض لا يخرج من الإنسان إلا وفيه إعاقة فأيقنت حينها أن ابنتي ستدفع ثمن الطريق الخاطئ الذي أنا فيه فخرجت بسيارتي من المركز الطبي وبعد فترة صففتها على جانب الطريق ونزلت منها ورفعت رأسي للسماء وقلت يا رب السماوات إني لك عدت ودعوت بأن يشفي لي ابنتي وعاهدت نفسي عندها ان أُنتهي مما أنا فيه من ضلال" . وفي تلك اللحظة دقّ هاتف "جاسم" وأعلمه أحد الأشخاص أن هناك جهة أمنية تقوم بعمل بحث وتحري عنه فأبلغ الشخص أنه سيتوجه إليهم بنفسه فلديه الكثير ليقوله. "توجهت إلى تلك الجهة الأمنية وسردت قصتي أمامهم وكان تعاملهم معي بشكل إيجابي جداً فلم أتعرض لأي تعذيب من قبلهم وعندها أدركت أن هناك حضن دافئ يمكن أن يحتويني ويصحح لي المسار الذي كنت تائهاً فيه" يقول جاسم. وتابع بقوله: "تمت الإجراءات القانونية بحقي وأقررت بذنبي وها أنا اليوم أقضي ما تبقى لي من العقوبة داخل إحدى مراكز إصلاح وتأهيل وزارة الداخلية بغزة والتي بدورها تمكنت من تقويم سلوكي وتوعيتي بأمور ديني ووطني وعقيدتي, من خلال الندوات الأمنية والمحاضرات التربوية والدينية لنكون معول بناء في المجتمع بعد خروجنا من هنا" . ويكمل: "أنا هنا أشعر براحة ضمير كثيراً ما عذبني وأنا خارج أسوار هذا المركز وكثيراً ما أرق نومي وأنا بفراشي داخل بيتي" حامداً الله على هذه النعمة التي هو فيها الآن. ووجه "جاسم" رسالة تأنيب لكل شخص ما زال يغرق في هذا الوحل بأن يرجع إلى ربه فهو خير معين وخير نصير وأن يعود إلى حضن أبناء وطنه وشعبه.