19.68°القدس
19.38°رام الله
18.3°الخليل
23.84°غزة
19.68° القدس
رام الله19.38°
الخليل18.3°
غزة23.84°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: إذا اختلّت العدالة

أي دارس للقانون يدهشه- ويصدمه أحيانا- ما يجري في ساحة القضاء هذه الأيام منسوبا إليه. حتى صرت أتشكك فيما درسته قبل خمسين عاما، وما مارسته انطلاقا منه في ساحات المحاكم طوال تلك المدة. ولا أخفي أن ذلك الشك دفعني في مرات كثيرة إلى العودة إلى نصوص القانون وشروحه وإلى أحكام محكمة النقض للتثبت من معلوماتى القانونية التي بدأت تهتز خلال الآونة الاخيرة. وفي كل مرة كانت دهشتى تتزايد وحيرتى تستمر، حتى كدت أقتنع بأننا صرنا بإزاء توظيف جديد للقانون، يستند إلى فقه يستند في مرجعيته إلى مبادئ جديدة غير التي درسناها وخبرناها، لتحري مقاصد لا تصب بالضرورة في ادعاء الدفاع عن الحق والعدل. لدى عديد من الملاحظات في هذا الصدد، إلا أنني سأقتصر على إيراد ثلاث منها فقد تبرز الفكرة التي أدعيها وهو ما أوجزه فيما يلي: * الملاحظة الأولى تتعلق بالدعاوى التي تنظرها محكمة الامور المستعجلة. ذلك أن ما تعلمناه في دراسة القانون، وما درج عليه العمل طول الوقت أن شئون الأحزاب من اختصاص القضاء الإدارى وليس القضاء العادى، مستعجلا كان أم غير مستعجل. والمستقر قانونا في هذا الصدد أن قاضى الأصل هو قاضى الفرع، بمعني أن هذا الاختصاص المعقود للقضاء الإدارى بخصوص الاحزاب السياسية كما يشمل الشق الموضوعى من النزاع المتعلق بالحزب السياسي، يشمل كذلك الشق المستعجل منه، وهو ما نخلص منه بانه لا اختصاص لقاضي الأمور المستعجلة بأي شأن يتعلق بالأحزاب السياسية وفي حالة ما إذا عرض الأمر على قاضي الامور المستعجلة فإن للقاضي أن يقضي في النزاع المطروح أمامه من ظاهر الأوراق بقضاء وقتي لا يمس أصل الحق، ليبقى ذلك الحق سليما أمام محكمة الموضوع صاحبة الاختصاص الاصلى. إلا أن ما جرى من قضاء من محكمة الأمور المستعجلة في الآونة الأخيرة عصف بكل هذا الذي تعلمته ومارسته، فضلا عما هو مستقر في الفقه القانوني. لذلك فعندما يقضى قاضى الامور المستعجلة بحل حزب سياسى منهيا وجوده بحكمه، فما الذي يبقى لقاضي الموضوع كى يقضي فيه؟ ذلك سؤال يحيرني فلا أجد له اجابة. فهل من مجيب يرد ردا قانونيا مقنعا لا علاقة له بالسياسة؟ * الملاحظة الثانية تتعلق بقواعد الاستدلال المتبعة في المحاكم الجنائية. ذلك أن ثمه شائعة سرت هذه الايام مفادها أن المحكمة الجنائية تقضى في الدعوى المعروضة عليها بما هو مسطور لديها في الأوراق. وذلك قول فاسد لان أي دارس للقانون فضلا عن أن يكون مشتغلا به يعلم أن الاصل في المحاكمة الجنائية هو ما يعرف بشفوية الاجراءات. وهو ما يعني في لغة القانون أن على القاضى أن يحقق الدعوى الجنائية بنفسه اى يحقق الدعوى من جديد ويسمى هذا بالتحقيق النهائى تمييزا له عن التحقيق الابتدائى الذي تجريه النيابة العامة. الامر الذي يعني أن اقتناع المحكمة يجب أن يكون مستمدا من الدليل الذي تحققه هي بنفسها. كذلك من المبادئ التي تميز الدعوى الجنائية عن الدعوى المدنية، ما يعرف بالدور الإيجابى للقاضى. فالقاضى الجنائى، على خلاف قاضى الدعوى المدنية غير مقيد بما في الأوراق، فله أن يطرح ما فيها جانبا، ويقوم بتحقيق الدعوى من جديد منطلقا من النقطة التي يرى أنها ستوصله إلى الحقيقة فيها. بكلام آخر فإن مقولة إن القاضى الجنائى مقيد بما في الأوراق المطروحة امامه هو قول لا علاقة له بصحيح القانون. والقول بغير ذلك فضلا عن مخالفته القواعد الأصولية التي تحكم الفصل في الدعوى الجنائية، فإنه يجعله مقيدا بتحقيقات لم يجرها بنفسه، ولهذا فمن المقرر أنه ليس للتحقيق الابتدائى كله أي حجية في الإثبات، بما في ذلك التحقيقات التي تجريها النيابة العامة (مبادئ الإجراءات الجنائية الدكتور رؤوف عبيد- الطبعة الثالثة عشرة ص 541). وفي خصوص ما عرف بقضية القرن، فقد كان من الواضح ابتداء أن ملف الدعوى تورم بالاف الصفحات من التحقيقات التي لا يطمأن إلى انها تمثل تحقيقا متوازنا للاحداث يمكن أن تتحقق به العدالة، لا لعلة فيمن يجرى الحقيق، بل لأن الجهة المنوط بها جمع الأدلة، وهي الشرطة، هي في واقع الأمر المتهم الحقيقى في القضية كهيئة وليس كبعض أفراد منها، ولا يمكن عقلا أن تقدم دليلا يدينها. لذا كان على من ينظر الدعوى أن يتفلت في تحقيقها من إسار هذه التحقيقات التي احرتها النيابة العامة، وان ينطلق من نقطة تقع خارجها. وليس هناك أدق ولا أفضل من تقرير تقصى الحقائق الذي اجرته لجنة شبه قضائية كى يجعل منه مدخلا للتحقيق النهائى الذي تجريه المحكمة، وذلك بان تحقق بنفسها مرة اخرى كل الادلة التي أشار اليها ذلك التقرير، فضلا عن سماع أقوال من أجروه كشهود في الدعوى. * الملاحظة الثالثة الصادمة لمن درس القانون أو مارس المحاماه أن الكثير من احكام الادانة في الجنايات والجنح استندت فيما قضت به إلى محاضر التحريات التي تجريها الجهات الأمنية، وذلك خطأ محض لأنه من المقرر الذي كان مسلما به قبل 30 يونيو 2013 أن التحريات لا تصح وحدها أن تكون قرينة فضلا عن أن تكون دليلا تنبني عليه ادانة في قضية جنائية، باعتبار انها تعتبر من الناحية القانونية رأيها شخصيا لمجريها. ولمحكمة النقض كلام حاسم وواضح في ذلك. من ذلك قولها أن «التحريات لا تصح وحدها لأن تكون قرينة معتبرة أو دليلا أساسيا على ثبوت الجريمة، واستناد الحكم على عقيدة حصلها الشاهد من تحرياته لا على عقيدة استقلت من المحكمة بتكوينها بنفسها يعتبر قصورا في التسبيب». (نقض 3/11/1988 أحكام النقض من 39 ق 153 ص 1112). النص السابق ليس لى، ولكنني تلقيته في رسالة من الأستاذ مدحت أبوالفضل، المحامى بالنقض، وقد ختمها بقوله: إن الكثير من مفاصل الدولة المصرية أصابها التفكك، واعرب عن خشيته من أن تلقى منظومة القانون ذات المصير وحذر من أن ذلك ينذر بشر مستطير، لأنه إذا غاب صحيح القانون عن المشهد اختلت العدالة وإذا اختلت العدالة انفسح الطريق أمام العنف، وصار ممهدا أمام الإرهاب، والعياذ بالله».