المضحك المبكي فيما نسمعه من تصريحات أصحاب القرار في العالم ينبئ وكأن كثيراً من الأمور اختلطت عليهم فأصبح الحليم منهم حيران، لم يعد أحدهم يعرف الضحية من الجلاّد، يمشون في جنازة من قتلوهم ويذرفون دموع التماسيح عليهم، ولا نعلم أصِدْقٌ ما يقولون أم أنه غباءٌ واستغباء، ملايين الضحايا والقتلى بلا سبب حقيقي مُعْلَن، ومئات المليارات تُمْتَص من دماء الشعوب بغير حق، لإدامة نَهَمِهِم وتفوقهم وتطورهم وترفهم، في مقابل ذلك هناك الملايين من الجوعى الذين يبيتون على الطوى لا يجدون فراشاً يفترشونه ولا ما يلتحفونه ليقيهم حَرّ الصيف وبرد الشتاء. ملايين المشردين الذين ينتظرهم الشتاء بأحواله وأهواله، ومحاصرون تكالب عليهم القريب قبل البعيد، وقوى عاملة مُعَطَّلة لا تجد ما يسد جوعتها ويكسو جسدها، في المقابل مليارات تنفق بلا طائل ولا عائد ولا ضرورة، لا يستفيد منها إلا اقتصاديات هؤلاء المتباكين على أمن العالم واستقراره، يطالبون بالمحافظة على حقوق الإنسان التي أصبحت مهزلة هذا الزمان، يطالبون به في بلد ويمكرون له في آخر، إن وافق ذلك مصلحتهم رقصوا طرباً، وإن خالف ما خططوا ولّوا منه ورفعوا عقائرهم تحذيراً وهرباً، مواقفهم حسب الحال، وثباتهم على موقف من المُحال. الكل يَدّعي أنه الضحية، والضحية الحَقّة لا يصل أنينها الآذان، ولا يناصرها إلا قِلَّة من بني الإنسان، يتباكون على قتل القاتل قِصاصا ليحيا المجتمع، وينسوا حقوق من تلطخت يداه بدمهم، يرضون بحكم المجرم على ضحاياه، ويشككون بحكم القضاء وشهوده وأدلته، يحملون مشاعل الحرية الموقدة بزيت الشعوب المقهورة والمسلوبة، وهم مَنْ أطفؤوها في غير مكان، فهم وحدهم من يستحقون الأنوار لأنهم شعب الله المختار. غزة المحاصرة.. أهي صانعة الإرهاب أم ضحيته ؟!، العراق الذي فقد الملايين من أبناء شعبه منذ غزوه إلى الآن أهو صانع الإرهاب أم ضحيته؟ شعوب دولنا في المشرق والمغرب أين مواردها، ومن يتقلب في نعيم خيراتها المسلوبة ؟!، أين عوائد ذهبنا الأسود منذ قرون، والذي تتقلب أسعاره وفق مخططات ورؤى من لا يرقبون فينا إلاًّ ولا ذمة؟!. كفانا مضيعة للوقت يا هؤلاء، فعقارب الساعة لا تتوقف، وصفحات التاريخ تؤرخ بصدق الأفعال والمواقف، فإما أن تمتد حياة المرء بعد أجله، وإما مصيره كالغابرين الذين كانوا عبرة لمن خلفهم، والأمثلة فيما مضى من قرون تبصره العيون، فكيف بالذين باعوا شعوبهم في وقتنا الحاضر واكتفوا من الغنيمة بالإياب. عناصر العزة بين أيدينا لا ينقصنا منها شيء، وبدلاً من أن نشيد بها البنيان بيعت بأبخس الأثمان، فبِحارنا بكل الألوان ولا زلنا نستورد التونا من تايوان، أراضينا الزراعية ومراعينا تصلح لإطعام الفيل ولا زلنا نستورد دجاجنا من البرازيل، نتابع من صناعات وتقنيات الغرب والشرق كل حديث، في المقابل نستغيث بالذين غبروا فلا من مغيث. نُرَدد فيما بيننا قول ذاك الرجل(ونشرب إن وردنا الماء صفواً... )، وننتظر من غيرنا قطرات الماء لنسد بها رمقنا واقعاً، فإلى متى تظنون أن الأمور ستبقى تسير هكذا، لا تصلوا لسد الندم حين لا ينفع الندم، فلا فِكاك من سوار الذل الذي أُحيط بمعصمنا إلا بإيماننا بأننا على الحق، لا يمكن للعبيد أن تتذوق طعم الحرية حتى تثق بنفسها وتعتز، لن يكون لها مستقبل إلا حين تنطلق من ذاتها، لا يمكن لامرئ أن يشعر بفاعليته على أي مستوى إلا باستخراج مكنونات نفسه وترجمتها أثراً في واقعه، وعدم انشغاله بجزئيات لا تسمن ولا تغني من جوع، لا يراد منها إلا إشعاره بالحاجة لمن يتدبر أمره حتى يبلغ رشده، فتداركوا أمركم قبل فوات الأوان، فانبلاج الفجر آت رغم تراكم المِحَن، وتكالب الأمم.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.