على الجدار المقابل لمكتبي في «السبيل» ثمة بوستر كبير للمسجد الأقصى تتصدره هذه العبارة، التي أجد نفسي تهمس بها بين الفينة والفينة، ثم ينقلب الهمس حسرة «مهموسة».. فالقدس التي تسكن أفئدتنا باتت اليوم أبعد، وأقصانا يتعرض يومياً إلى هجمات تلو هجمات، من متطرفين صهاينة، جعلوه قبلة تخريبهم، مستغلين حالة الفوضى التي تسود العديد من الدول العربية، وحالة عدم القدرة على الوقوف والتصدي التي تنتابها، بل والنكوص، وانشغالها بمعضلاتها الداخلية. بيد أن ذلك لا يعني أبداً أن القدس التي تنتظر القادمين، ووعدهم، أسلمت أجفانها إلى اليأس، بل بالعكس.. فثمة ما يرتل في صلاتها، أن الوعد أن تدخل ايلياء كأول مرة، وثمة في مواقف رجالها ونسائها الصامدين، المرابطين، ما ينبئ بأن هذه الأمة فيها الخير، والنجدة إذا دعا داعي حماية القدس والاقصى. ليس ثمة كلام يمكن أن يصف صمود أهل القدس وتضحياتهم، ومقارعتهم أعتى وأطول احتلال في التاريخ يسعى في كل دقيقة الى نزعهم من جذورهم، وتهويد مدينتهم.. مدينة السلام. وهم يتصدون لكل محاولاته، بعزم أكيد وعنفوان المؤمن بربه وحقه في تلك البقعة الطاهرة، التي هي أرضه ومسكنه منذ عصور ما قبل التاريخ المدون والى يوم يبعثون. لا أريد ان أسقط في الشاعرية وليس في نيتي أن أضيف جديداً الى هرم القصائد والاغاني والخطابات التي قيلت في القدس ومن أجلها، فالقدس اولا وآخرا تتحدث عن نفسها، وما يجري فيها يستنهض الضمائر دون تدبيج او تزويق أو بلاغة لغوية، لكني أعتقد أن العبارة التي خطت على بوستر في «السبيل»، هي ذاتها التي خطت على جدران مدارس وبيوت وجسور في بقاع كثيرة من الارض العربية، وربما نجدها حتى في أماكن لا نتوقعها، على جدران محطات قطار او مترو في أصقاع الدنيا، وفي أفئدة التلاميذ والاشرطة الملونة لفتيات لم يراوحن صفهن الثاني أو الثالث بعد. يا قدس.. إنا قادمون، ما زال للعبارة وهجها رغم أن القدس تئن وتقاوم.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.