24.96°القدس
24.5°رام الله
26.08°الخليل
25.88°غزة
24.96° القدس
رام الله24.5°
الخليل26.08°
غزة25.88°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: غزة بين أمنية رابين وانتقام عباس

(أتمنّى أن أستيقظ يوماً وأرى غزة تغرق في البحر) أُمنيةٌ غريبةٌ، تمناها عدو وقاتل للشعب الفلسطيني, رئيسُ الوزراءِ الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين -آنذاك- وكردِ فعلٍ على ذلكَ, تسابقَ القاصي والداني في المدحِ والتغني والثناء بغزةَ وإبداءِ الحرصِ عليها والدعوة إلى حمايتها ودعمها بكلِ الوسائل, إما حباً وغراماً في غزة أو كرهاً وحقداً على رابين واحتلاله، نعم فقد كانت غزة شوكةً في حلقِ الاحتلالِ وكما كانت عبرَ تاريخها عصيةً على الغزاة والمحتلين بل وعصية على المغامرين، وعنواناً سرمدياً للمقاومةِ وللبطولة والفداء. فقد صمدت طويلاً في حروب عديدة وكانت دائماً هي من تدفعُ الثمنَ، حينما كانت القوى الاستعماريةُ تقومُ باحتلالِ وتدميرِ غزةَ، سواء باعتبارها بوابة لمصرَ حينما كان يأتيها الغزو من الشمالِ, أو لكونها بوابةً وقلباً نابضاً لفلسطينَ حينما يأتي الغزو من الجنوبِ أو من البحر. وهكذا هيَ غزة دائماً تدفعُ الأثمانَ كاملةً، فبعد أن كانت تدفع ثمن الحروبِ على فلسطين، وثمن الحروبِ على مصرَ, أضحت غزة اليوم تدفعُ ثمن بقائها وصمودها ونموذجها القيمي المقاوم. كيف لا, وغزة وقفتْ عصية على الاحتلالِ الإنجليزي لفلسطين، وبقيتْ صامدةً في مقاومتها حتى الرمق الأخير، ثم كانت عنواناً للتصدي للاحتلالِ الإسرائيلي ولقواته المغتصبة عام 1956, ولدعم كل ثوراتِ الشعبِ الفلسطيني في مختلف الأزمنة وفى ربوع القرى والمدن الفلسطينية. ثمَّ عندَ إعادةِ احتلالها عامَ 1967, شكلت غزة شوكةً في حلقِ الاحتلالِ الغاشمِ، بل وقدمت نموذجاً فريداً في المقاومةِ والصمودِ والتحدي للاحتلالِ, ولم ترضخ ولم تستكن, ثم عادت عامَ 1987 لتفجر انتفاضة الحجارةِ التي عمتْ فلسطين واستمرت حتى أوجعت الاحتلال الإسرائيلي الغاصب. وفي انتفاضةِ الأقصى عامَ 2000م، كانت الأمة جمعاء على موعدٍ معَ إبداعاتِ غزةَ ومقاومتها التي قدمتْ نموذجاً جديداً في تصنيعِ السلاحِ البسيطِ الذي أوجعَ الاحتلالَ واضطره للانسحابِ من قطاعِ غزةَ في مايو 2005م، ولتكون غزة الضعيفة هي أول من يلقن جيش الاحتلال الإسرائيلي درساً لم ولن ينساه، ذاك الجيش الذي هزمَ سبعة جيوشٍ عربية في حروبِ عامِ 1948 و 1967, وصنع لنفسه أسطورة الجيش الذي لا يُقهر. وأمامَ هذا الصمودِ الأسطوري كانَ حقاً على الجميعِ أن يرفعَ القبعة ويقدم التحية إلى غزة بشعبها ومقاومتها وفصائلها. إلا أنَّ العكسَ هو ما حدث، حيثُ إن من يتباهى دائماً بأنهُ لا يؤمنُ بالمقاومةِ ولا يؤيدها, كانَ أول من تخلى عن قطاع غزة، وما إن حدثَ الانقسامُ البغيض في يونيو 2007, حتى سارعَ إلى تهميشِ غزةَ ووضعها على الرَّف. كانت فرصة جميلة للسيد محمود عباس للتخلي عن غزة, والبدء في تصفيةِ غزة وليسَ حركة حماس فقط، بل وحركة فتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والديمقراطية, بل وكل غزة بتاريخها وجغرافيتها وجرحاها وشهدائها وأسراها ومقاومتها. بعدَ أن كانت غزة مركز القرارِ الفلسطيني, ومركز الفعلِ الفلسطيني, وعنوان القضية الفلسطينية وقلب فلسطين النابض، تمَّ تفريغ غزةَ منْ كل مفاصل السلطة, ولعل من أبرز الدلائل على ذلك، تقليص عدد الوزراء الغزيين المفترض أن يكونوا ضمنَ حكوماته المتعاقبة، ثم حرمان أهل غزةَ منَ الوصولِ إلى هذه المناصب، بل ووضعتهم في مواقع هامشية فقط, وليس آخرها تصفية الوجود الغزي في السفارات الفلسطينية في العديد من الدول. بل إن غزة تم حرمانها من المشاريع التطويرية والخدمية التي كانت تأتي من الخارج لدعم وتطوير القطاع, تحت حجج واهية. حروبٌ ثلاث قامَ الاحتلالُ بشنّها على قطاعِ غزة، كان موقفُ دول أمريكا الجنوبية أكثر وطنية وأكثر حرصاً على الشعب في قطاع غزة من موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس, والذي كان يكتفي باللومِ والعتاب تارة والردحِ وإعفاء الاحتلال من جرائمه وشتمِ المقاومة وتحميلها المسؤولية تارةً أُخرى. منذ عام 2005 بدأ مسلسل طويل لعقد الاتفاقيات مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية من أجل تفعيل منظمة التحرير وتوحيد الصف الفلسطيني, إلا أنه (عباس) لم ينفذ أياً منها، وكان آخرها اتفاق الشاطئ للمصالحة مع حماس في مايو 2014, حيث نقض كل ما اتفق عليه, وأبرزه (حكومة وحدة فلسطينية تُنهي الانقسام، تفعيل المجلس التشريعي، وتفعيل الإطار المؤقت لمنظمة التحرير). حكومة الوفاق الوطني كانت العلامة الأبرز في الاتفاق, لذلك كان المطلوب وضع العصيّ أمام عجلاتها وفي طريقها, مع الاستمرار في تهميش غزة تحت حجج كاذبة وواهية, وتم أيضاً منع وزراء غزة من الاتصال بمقرات وزاراتهم في غزة, مع استمرار سياسته في استثناء غزة من الوزارات السيادية واستمرار استثناء أبناء غزة من المناصب العليا. وعند مناقشة موازنة الحكومة الفلسطينية في شهر أكتوبر 2014, لم يتم إضافة قطاع غزة لموازنة الحكومة الجديدة, وهذا ما يؤكد أن هناك رغبة جامحة لدى محمود عباس بأن تتحقق أمنية رابين, وأن يتم التخلص من قطاع غزة. وأعتقد أن رابين سيكون مسروراً في قبره؛ لأن أمنيته بالتخلص من غزة بأن تغرق في البحر, والتي لم يستطع تحقيقها في حياته، يقوم الآن رئيس السلطة محمود عباس بتحقيقها عبر إذلال المواطن الغزي وإهانته وحرمانه من أبسط مقومات الحياة, بل وتنسيقه الأمني الدائم مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل استمرار حصار غزة وتكريس معاناة أبناء شعبه. وهو بالتالي يسعى لأن يحقق أمنية رابين بأن تغرق غزة في البحر، ليس حماس فقط؛ بل كل غزة بمقاومتها وحماسها وفتحها وكل فصائلها. لكنى أذكّر السيد محمود عباس بأن غزة كانت وستبقى عصية على الكسر, وأن غزة التي قطعت أيدي الخونة والعملاء وتصدت للغزوات المتلاحقة, ستتصدى لكل من يحاول أن يغرقها, وأن مصير من يتآمر على غزة هو مصير كل من حاول التآمر من قبل وانتهى به الأمر إلى مزابل التاريخ.