أنظر حولي، وأنا أخرج من الزنزانة مودعًا تلك القلوب الأسيرة الباقية خلفي، والتي اجتمعت معها على فراش واحد، وأكلت معها في صحن واحد، صبرت معها صبرًا واحدًا، وفي قلبي غصة وفي العين أتطلع لرؤية من أحب، فأبتسم رغم الحزن المعربد في ركن من أركان القلب الذي بات مقسمًا، وبين كل قسم أتلمس صبرًا آخر، وفوق كل ما أحمل من هموم، يبقى هم المقاومة، هم التحرير، هم النصر، لآخر العمر سأحمله على كتفي حتى يتحقق. أتذكرين يا أم جمال حينما طلبت منك، أن تتركيني وتبدأي حياتك من جديد، هل تذكرين ماذا قلتِ: سأنتظركَ حتى آخر العمر، ومنذ ذلك اليوم، وصورتك تكبر في عيناي أكثر، ومنك أتلمس الصبر والقوة ، فأغدو أنا أقوى الرجال. أنزل الآن من حافلة الأسرى، في معبر رفح، ترتجف يداي، وتخطو قدماي أول خطواتها على أرض الحرية، أبحث عن وجهك بين الوجوه، أدور بابتسامتي، فتقفين أمامي، قوية، مؤمنة، لترفعي يدك بتلك التحية العسكرية، ثم ترتمين بعناق المحبين بين يداي، لترمي عناء السنوات السابقات، قوية، صابرة، محتسبة، فتيقنت أنك زينة نساء هذه الأرض.