ودعت مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلّة أمس السبت رمزًا من رموزها، ليس سياسيًا بارزًا أو مثقفًا مبدعا أو نجمًا سينمائيا، بل بائعًا للجرائد، يعرفه الصغير قبل الكبير بالمدينة، إنه المرحوم عبد الفتاح محمد عيشة (أبو خليل)، الشهير بـ"السنونو" من سكان مخيم بلاطة للاجئين شرقي المدينة. فالفقيد الذي زاد عمره عن 75 عاما، يعمل منذ كان في العاشرة من عمره أي منذ 65 عاما في مهنة بيع الجرائد، ولم يمنعه تقدمه بالسن، وإصابته بالعمى الكلي لاحقا من متابعة مهنته التي أحب. فالرجل خلال سنواته الأخيرة كان يحمل نسخًا من صحيفة "القدس"، ويضعها أمام أبواب المحال التجارية في نابلس رغم مرضه وعماه، فقد حفظ المدينة بأدق تفاصيلها، وحفظ شوارعها وميادينها العامة، حتى في فترات مرضه واصل بيع الجرائد، فكان يرافقه أحد أبنائه أو يتقدم أحد المارة لإيصاله لمبتغاه. المرحوم، هو والد الشهيد حكم أبو عيشة، وله 8 من الأبناء والبنات ونحو 30 حفيدا وحفيدة، فيما توفي نجله نصار قبل عام تقريبا، بعد أن رافقه سنوات طويلة في بيع الصحف. من كان غريبا عن مدينة نابلس والتقى بالسنونو دون أن يعلم أنه ضرير ولا يرى، قد يسأله عن مكان ما في مدينة نابلس، لا يشير السنونو إلى عينيه ولا يقول أنه أعمى، بل يرشد السائل إلى ضالته ويوجهه إلى المكان الذي يريده بشكل دقيق، فهو خير العارفين بمدينة حفظها رغم أنه لم يشاهدها منذ 20 عاما، لكنه يواكب تفاصيلها ويعرف كل التغيرات التي تشهدها بشكل مستمر، ويتعرف على الأماكن الجديدة بشكل سريع، لكي لا يصبح غريبا عن مدينته. ومرت على أبي خليل صحف متنوعة، وقد عمل في بيع الصحف حتى قبل صدور جريدة القدس، حيث كان يبيع صحيفة الجهاد وفلسطين، وعدد كبير من المجلات التي تصله من دول عربية مختلفة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.