16.35°القدس
16.09°رام الله
14.97°الخليل
21.26°غزة
16.35° القدس
رام الله16.09°
الخليل14.97°
غزة21.26°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: إرهاب من نوع آخر

شباب ما تخلوا شيء يحبطكم. الشعب ياما شال وكمِّل. بأيديكم سلاح اسمه إرادة الحياة. وجلادكم مش بإيده الا ان يحاول سلبها منكم. تمسكوا بها. هذه الكلمات الـ٢٤ كتبتها الإعلامية ليليان داود على صفحتها بعد الحكم الجائر الذي صدر بحق متظاهري قضية مجلس الشورى. وإذ جاءت الكلمات تعبيرا مهذبا عن التضامن مع الشبان الذين سجنوا وجرى تغريمهم لأنهم خرجوا في مظاهرة سلمية نادت برفض المحاكمات العسكرية، إلا أنها استنفرت كتائب الإرهاب والإبادة المعنوية، فشنوا حملة تشهير شرسة ضدها. ورغم ان ما كتبته جاء معبرا عن مشاعر عدد غير قليل من المثقفين الوطنيين، إلا أن الضجيج الذي أحدثته رسائل عناصر تلك الكتائب جاء كاشفا عن عدة عورات تحتاج منا إلى انتباه وتدبر، الأمر الذي يدعوني إلى تسجيل أربع ملاحظات هي: < أن الصدور في مصر أصبحت تزداد ضيقا وليس اتساعا. ذلك ان مضي عشرين شهرا على الوضع الذي استجد منذ الثالث من يوليو ٢٠١٣ يفترض أنه اتاح فرصة كافية لهدوء الأعصاب واستعادة الثقة بالنفس. إلا أن ما حدث كان على العكس فقد أصبحت الحساسية أشد إزاء أي رأي آخر. الأمر الذي شكل مصدرا آخر لإشاعة الخوف وإرهاب المخالفين، بحيث باتوا مخيرين إذا ما آثروا السلامة ــ والأغلبية لا تريد أي مشاكل ــ بين كتمان الرأي واختزانه أو ممارسة النفاق ومسايرة المصفقين والمهللين. < أن الحساسية لم تعد مقصورة على اتهام المعارضين وإنما طالت الموافقين أيضا، لأن انصياعهم لم يعد مئة بالمئة. وإنما تراجع بصورة نسبية لمجرد أنهم أبدوا ملاحظات أو انتقادات لبعض ممارسات النظام، رغم انهم يقفون في صفه ابتداء. ونموذج الإعلامية ليليان داود التي لم يعرف لها أي نشاط سياسي وكانت طول الوقت في صف النظام. ولولا ذلك لما أتيح لها أصلا أن تظهر على شاشة القناة التي تعمل بها، ولما سمح لها بأن تستمر في تقديم برنامجها، ولواجهت ضغوطا اضطرتها إلى الاعتزال مثلما حدث مع محترمين آخرين مثل ريم ماجد ويسري فودة، وهما من نماذج مؤيدي النظام الذين لم يحتملوا الاستمرار في تأييده بنسبة مئة بالمئة. وأرجو أن تلاحظ أن الحرب التي أعلنها البعض على ليليان داود كانت لأنها أبدت رأيها الذي أشرت إليه في البداية على صفحتها الخاصة، ولم يصدر عنها وهي تقدم برنامجها عبر القناة، ورغم ذلك فإن ما قالته باعتباره رأيا خاصا وفشَّه خُلق كما يقال، لم يغفر لها ولم يمنع عنها سهام التشهير والاتهام. < إن معارضة الرأي لا تناقش محتواه، وإنما يلجأ إلى الطعن في صاحبه ومحاولة تجريحه. أعني أن الاشتباك لا يكون مع الموضوع ولكنه يتحول إلى محاولة لاغتيال الشخص سياسيا ومعنويا. وذلك اسلوب المفلسين الذين لا يملكون رؤية ولا حجة ولا فكرة، ولكن جعبتهم مليئة بالسباب والشتائم وباعهم كبير في أساليب الإهانة والتجريح. وللأسف فإن مواقع التواصل الاجتماعي رغم فوائدها الجمة، فإنها وفرت لكل من هب ودب منبرا لكي يعبر عن نفسه ويدلي برأيه في كل شيء بغير ضابط أو رابط، ودون مراعاة لأي اعتبار موضوعي أو أخلاقي. وفي الحالة التي نحن بصددها فإن الحملة التي دعت إلى ترحيل الإعلامية ليليان داود إلى بلدها الأصلي لبنان كانت من نماذج «الحوار» الذي لجأ إليه البعض لمعاقبتها على ما صدر منها. < لا يقف الأمر عند شخصنة الحوار وتجاهل موضوعه، وإنما كان واضحا أن مستوى الشخصنة اتسم بالهبوط والإسفاف. وهذا الوصف لا ينطبق فقط على ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما وجدت ان ما نشرته بعض الصحف كان موغلا في إسفافه وبذاءته، على نحو فاضح ومخجل. حتى انني شعرت بإهانة شخصية حين قرأت ما نشرته تلك الصحف في الموضوع، إذ لم اتخيل أنني أعمل في مهنة ينتسب إليها أمثال هؤلاء. لا اختلف مع الغيورين الذين أحزنهم تدهور مستوى الأداء في الإعلام المصري. وأقف مع كل ما قيل عن انهيار القيم والتقاليد في المهنة، وأزعم أن ذلك الانهيار لم تسلم منه أخلاقيات المهنة وبديهياتها. لكنني قد أختلف في تحليل الظاهرة، وأزعم أن المشكلة أكبر من وسائل الإعلام التي أصبح يتحكم فيها في مصر فريق من الدخلاء الذين لا علاقة لهم بالإعلام، ولكنهم انتسبوا إليه للاستقواء، ومن ثم حولوه من رسالة إلى تجارة. في هذا الصدد فإنني أذكر بالدور الذي تقوم به البيئة والمناخ العام في استدعاء تلك النماذج وتمكينها من صدارة المنابر الإعلامية ومخاطبة الرأي العام. ولئن بات معلوما ان هناك بيئة تستخلص من الناس أنبل ما فيهم وأخرى تستخرج منهم اسوأ ما فيهم، فربما كان ذلك يفسر لنا الكثير مما نقرأ ونسمع ونشاهد. ومن لديه تفسير آخر فليدلنا عليه.