16.91°القدس
16.65°رام الله
15.53°الخليل
21.64°غزة
16.91° القدس
رام الله16.65°
الخليل15.53°
غزة21.64°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: نيسان لا نسيان

لم تشفع لشعبنا مبادرة "سلام الشجعان"، التي أعلنها الرئيس عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بجنيف في الثالث عشر من ديسمبر عام 1988م، التي لم تكن في حقيقتها سوى "سلام الخذلان" لفلسطين أرضها وشعبها. القيادة الفلسطينية _وعلى رأسها عرفات الذي ختم كلمته تلك بدعاء: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، وإليك يرجع السلام، فأحينا ربنا في السلام، وأدخلنا دارك دار السلام"_ كلها كانت شاهدة على جرائم الحرب والإبادة التي طالت شعبنا، وهم يعرفون جيدًا استحالة تحقيق "السلام العادل" بين الجلاد والضحية؛ لانتفاء شروط تحقيقه مع العدو الصهيوني؛ لأنَّ وجوده في أرض فلسطين قائم على الاستيطان الإحلالي. شهر نيسان (أبريل) شهرٌ مثقل بالحزن، يرتدي منذ عقودٍ ثوب الحداد على أرواح من قُتلوا وسيُقتلون على يد العدو الغاشم، وهو واحد من اثني عشر شهرًا تضج بالجرائم الصهيونية، وفيه أيام تتوشح السواد مثلما يحدث في ثلاثمائة وخمسة وستين يومًا في السنة، فالعدو لم يترك يومًا إلا حوله إلى لعنة ووصمة عار وشاهد على نازيته وبربريته، وما أكثر الشهود من مقابر جماعية، وقرى أبيدت، ولاجئين تشتت بهم السبل، وجرحى وأسرى ويتامى وأرامل، وما أقل العدل، وما أضعف العدالة! "دير ياسين" الطفلة التي ذبحوها ثلاثة رموز للإجرام الصهيوني المرتبط عضويًّا بالعقيدة الصهيونية كانوا عند الساعة الثانية من فجر التاسع من نيسان (أبريل) سنة 1948م على مشارف قرية دير ياسين العربية الفلسطينية، ليرتكبوا جريمتهم النكراء، وتتلطخ أيديهم الآثمة بدماء الطفلة الفلسطينية البريئة. مناحم بيغن الذي كان يترأس عصابة (أرغون)، وعصابة (شتيرن) التي تعرف باسم (ليحي) برئاسة إسحاق شامير، وعصابة (هاغاناة) التي كان يترأسها دافيد بن غوريون تلك الذئاب اجتمعت لتنقضَّ على قرية وادعة آمنة، كانت تستعد لصلاة الفجر، فذبحوها وهي ساجدة، خنقوا مآذنها فاختفى صوتها الندي، وتوقفت أنفاسها بعدما أبادوها. لقد كانت مذبحة مروعة راح ضحيتها أكثر من (254) إنسانًا فلسطينيًّا بريئًا، ولكنها لم تكن سوى "إنجاز عبقري" تفاخر به مناحم بيغن في كتابه "الثورة" قائلًا: "دون دير ياسين ما كان ممكنًا لـ(إسرائيل) أن تظهر إلى الوجود"، أما منظمتا (إتسل) و(ليحي) فقالتا: "لقد كانت المجزرة في دير ياسين واجبًا إنسانيًّا". تلك الجريمة وثقها "جاك رينيه" رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي في فلسطين، الذي زار بنفسه دير ياسين وفحص القبر الجماعي، وشاهد الجثث، ووضع تقريرًا عن ذلك باللغة الفرنسية. وللمرة الألف تسأل مأساة دير ياسين القيادة الفلسطينية: هل ثمة وجود لـ"سلام الشجعان" على هذه الأرض، والكيان الصهيوني يبقر بطنها، ويذبح إنسانها؟!، أليس من "الواجب الإنساني" أن تتوقفوا فورًا عن خداعنا وخداع أنفسكم بهذه الهرطقات التي طرأت على العقل السياسي الفلسطيني، فنخرت في فكر الشعب، وأتلفت بعضًا منه لمصلحة المشروع الصهيوني؟ ثلاثة أقمار تنطفئ في فردان في العاشر من شهر نيسان (أبريل) عام 1973م نفّذ جهاز (موساد) الصهيوني عملية "ربيع فردان"، نسبة إلى الشارع الذي كان يقطن فيه القادة الثلاثة (رحمهم الله)، وقد أدت العملية إلى استشهاد القادة: (كمال ناصر، وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار وزوجه). كمال ناصر ضمير الثورة، سياسي، وشاعر، من مواليد بيرزيت عام 1924م، انتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1969م، وتولى رئاسة دائرة الإعلام والتوجيه القومي، ومجلة فلسطين الثورة، ترك مجموعة من الأعمال الأدبية والشعرية والنثرية. عندما سمع دوي الرصاص قريبًا من بيته هرع إلى سلاحه، وترك قلمه على أوراقه، حيث كان يكتب مقالًا عن صديقه الشاعر المرحوم عيسى نخلة، لكنَّ ثلاثين رصاصة أفرغت في جسده، حالت دون نهاية وفيّةٍ للمقال، ونهاية لمشروع تحرير فلسطين الذي حمله الشهيد (رحمه الله) أمانةً في عنقه. كمال عدوان ولد في بربرة عام 1935م، اختير عضوًا في أول مجلس وطني فلسطيني عام 1964م، وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وتولى مسئولية جهاز الإعلام فيها. وفي المؤتمر الثالث لحركة فتح الذي عقد في 1/1/1971م انتخب عضوًا للجنة المركزية لحركة فتح، وكلف بالإشراف على القطاع الغربي المسؤول عن المهمات والأنشطة السياسية والعسكرية في الأرض المحتلة، واستمر في قيادة تلك المهمة حتى لحظة استشهاده. محمد يوسف النجار (أبو يوسف) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، كان دائمًا يؤكد رفض القرار (242)، ويصر على القتال حتى النصر. عندما سمعت زوجته دويَّ الرصاص سارعت إلى البحث عن مسدسه، لكنَّ وحدة (موساد) كانت قد سبقتها، فأطلقت الرصاص، فتصدت لهم بجسدها محاولة الدفاع عن زوجها القائد، لكن الرصاصات اخترقت جسدها، وجسد أبي يوسف (رحمهما الله). ثم جاءنا من رفاق السلاح من يتحدث عن "سلام الشجعان"، واليوم لا يكادون يتحدثون عن "سلام الخرفان" أو يحصّلونه. يُذكر أنَّ القيادة الفلسطينية التي عادت إلى "غزة-أريحا" على ظهر اتفاقية عرجاء اسمها اتفاقية (أوسلو)، بعدما انحرفت عن درب الشهداء الأبرار؛ أطلقت أسماء القادة الثلاثة على مفارق طرق، وطرق رئيسة، ومستشفيات، وقاعات جامعية، ثم ذهبت بعدها إلى استكمال مشروع الاستسلام والتخاذل، والنتيجة بعد عشرين عامًا من المفاوضات كانت خيبةً من مسافة صفر. أسد فلسطين مضرّج بدمه ليس عجبًا أن يصبح ذلك الطفل الذي كان يقف أمام مخبز الطابون، ليشم رائحة الخبز الشهيّ دون أن يشبع منه قائدًا لحماس، بعد شيخها شيخ الإنسانية أحمد ياسين، كان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي يجمع في صدره قلبين: قلب طبيبٍ للأطفال، وقلب أسدٍ غاضبٍ لا يهادن محتلًّا لوطنه، حتى لو كان دمه ثمنًا للفكرة التي آمن بها، والوطن الذي دافع عنه. لقد اختار الطبيب الثائر أن يعيش مجاهدًا، مدافعًا عن وطنه وشعبه حتى الرمق الأخير، وحين سألوه: "أتخشى طائرات شارون؟" أجابهم: "إنَّه الموت، بـ(الأباتشي) أو بالسرطان، وأنا أفضل (الأباتشي)"، وقد كان أن اغتالته الطائرات الآثمة يوم السابع عشر من نيسان من سنة 2004م. كم كنت جوادًا أيها الفارس النبيل!، وأنت الذي رددت هذا البيت حتى ارتبط بعطائك وشهادتك: الجود بالمال جود فيه مكرمة ** والجود بالنفس أسمى غاية الجود يا أسد فلسطين، لم يعد يسودنا إحساس بالقهر والحزن، لقد تعلمنا كيف نقهر حزننا، ونقاتل واقفين حتى النهاية، تعلمنا كيف نجعل الكلمة الصادقة النابعة من القلب العاشق لفلسطين صنو الفعل الصائب، والتنفيذ العملي لما نؤمن به. أما بعد: فكيف لا تزال "القيادة الفلسطينية" مقتنعة بخيار التسوية، وبحلول السلام في فلسطين، والكيان الصهيوني يذكرنا كل يوم باستحالة ذلك؟!؛ فلا العقيدة الصهيونية، ولا التاريخ الأسود الذي خلفه العدو، ولا الواقع المرير الذي نحياه يوميًّا تبشر بأنَّ ثمة أملًا في أن يعيش الطرفان بل "الجيران" (على حد تعبير عباس) في ثبات ونبات! فهل سنحاكِم مجرمي الحرب؟!، ومتى سنقاضي الكيان الصهيوني على ما اقترفه من جرائم يندى لها جبين الإنسانية؟!، وهل انضمامنا إلى المحكمة الجنائية الدولية سيتساوى هو وعدمه؟!، الأسئلة أكثر من أن تعد، والإجابة واحدة: لا بديل عن المفاوضات إلا المزيد من المفاوضات! وصدق شاعرنا عبد الرحمن بارود حين قال: يا حمامَ السلام، عُدْ يا حمامُ لا يفلُّ الحسامَ إلا الحسامُ