اللقاء هذه المرة في مدرسة بنات دير البلح الإعدادية التابعة لوكالة الغوث، المشاركة بعد دعوة للحديث عن مهنة الصحفي ضمن برنامج التوجيه المهني التي تديره الأونروا في مدارسها. هنا فتيات بعمر الزهور من الصف التاسع، اخترن مهنة الصحافة من بين مهن عديدة، وهن يحلمن بمستقبل مشرق. كان للقاء أهمية نظرا لطبيعة الشريحة التي تفاعلت معها ونمط تفكيرها، فقد انصبت الأسئلة والنقاش حول المهنة وظروفها، حيث تختبئ خلف الأسئلة نبرات القلق، وترتسم الحيرة على وجوه وفي عيون الزهرات، القلق من الغد، وشكوك حول العدالة الاجتماعية التي ربما لا يعرفن معناها اليوم، لكنهن يدركن صعوبة تحقيق الأمنية وهن يعشن مرارة التجربة مع أسرهن، هنا الفوز بعمل يضاهي النجاح في تسلق قمة جبل "إفرست"، مع غياب معايير الشفافية في بيئة ترضع الواسطة والمحسوبية لأجيالها كما يرضع أطفالها الحليب. الزهرات طلبن نصائح كي يصبحن صحفيات مرموقات في ميدان العمل، ثم سألن عن الراتب، وتمويل المؤسسات الصحفية، ومخاطر المهنة، والتعويض، برغم أننا نعيش في بيئة العوض فيها على الله فقط. لم يكن بالإمكان التوغل أكثر في الإجابة وخدش براءة تفكيرهن بنماذج من فيروسات مجتمعية تنتشر في معظم مؤسساتنا دون استثناء، أبرزها:(حكلي واحكلك). ومع تكاثر وتناسل لجان إدارية مختلفة تحت مسميات الرقابة والشفافية والجودة نكتشف أنها أحيانا تشرعن نظريات قديمة جديدة منها: "إللى مالوش ظهر ينضرب على بطنه"، ثم تطورت مع أساليب التحايل لتصبح "اللى مالوش بطن ياخد على قفاه"، وهكذا أصبح لدينا: (جمل بيعصر وجمل بياكل العصارة). ما لم أعترف به أمام الزهرات في الفصل أبوح به هنا: لن أجاملكن وأجمل المستقبل في عيونكن، إلا إذا ضمنا العدل، فقد قال العلماء: إن الله ينصر الدولةَ العادلةَ ولو كانت كافرة، ويُهلك الدولةَ الظالمةَ، ولو كانت مسلمة. وفي التاريخ حُكي أنّ الإسكندر المقدوني قال لحكماء الهند عندما فتحها، وقد رأى قلة الشرائع بها: لم صارت سُننُ بلادكم قليلةً؟ قالُوا: لإعطائنا الحقّ من أنفسنا، ولعدل مُلوكنا فينا. فقال لهم: أيُّما أفضلُ، العدل أو الشجاعة؟ قالُوا: إذا استُعمل العدلُ أغنى عن الشجاعة.