منذ اللحظة الاولى التي كشفت فيها مواقع صحافية محلية ودولية عن نية حكومة فياض في الضفة الغربية الاستغناء عن آلاف الموظفين بسبب العجز عن دفع الرواتب وتنفيذا لسياسة التقشف التي تتبعها في ظل استمرار الازمة المالية الحادة التي تمر بها، ولمواجهة العجز المالي في ميزانية السلطة لعام 2012.. من حينها وحالة من الصدمة العنيفة والتوجس والخوف الشديد تنتاب آلاف الموظفين الذين قد ينطبق عليهم القرار. المعلومات تشير إلى ان المخطط الذي أعده فياض ويتم دراسته حاليًّا بشكل سري يقضي بإحالة كل موظف حكومي في القطاع المدني أمضى أكثر من 15 عامًا في الخدمة المدنية -باستثناء العاملين في وزارتي التربية والتعليم والصحة- إلى التقاعد المبكر. كما يقضي مشروع القرار أيضا الطلب من رئيس السلطة محمود عباس إحالة جميع العاملين في الأجهزة الأمنية الذين ينطبق عليهم القرار إلى التقاعد المبكر. ووفق مشروع القرار المعروض على حكومة رام الله للمصادقة عليه سيحال إلى التقاعد المبكر "الموظفون الخاضعون لأحكام قانون التقاعد العام رقم 8 لسنة 2005 وتعديلاته ممن أتموا خمس عشرة سنة مقبولة لغايات التقاعد على أن لا يقل الراتب التقاعدي عن 50 بالمائة من متوسط رواتب آخر ثلاث سنوات معتمدة لغايات التقاعد". وقدرت أوساط فلسطينية بأن قرار الإحالة إلى التقاعد المبكر الذي يجري العمل للمصادقة عليه سيطال حوالي 26300 موظف حكومي معظمهم من الذين تم تعيينهم في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وخلال إنشاء السلطة الفلسطينية وفق اتفاق "أوسلو". [title]ما مصير أبنائي؟[/title] زكريا من مدينة طولكرم ويعمل في وزارة البيئة منذ عام 1996 يعيش حالة خوف شديد في حال تم تطبيق القرار عليه، يقول: "هذه خطوة إجرامية بحق من قدم وضحى من شبابه في سبيل الوطن، لقد خدمت في الوزارة بكل اخلاص فهل يكون هذا مصيري؟ ويتابع لـ"فلسطين الآن": "راتبي الآن يناهز 3 آلاف شيكل، وهي لا تكفي مطلقا لتسيير أمور حياتنا،، أبنائي كبروا ومصروفهم زاد، وستدخل ابنتي الكبرى الجامعة خلال الاشهر القليلة القادمة.. فمن أين سآتي لهم بالمال اللازم؟.. عوضا عن أن يرفعوا من قيمة رواتبنا ساتقاضى نصفه فقط في حال قاعدوني، أي ظلم هذا؟؟". موظف في وزارة الاقتصاد الوطني عبر عن استياءه الشديد من القرار، مؤكدا أن على الحكومة أن تبحث عن وسائل وطرق لتجاوز أزمتها المالية لكن ليس على حساب الموظف "الغلبان" الذي لا يجد قوت يومه. وأضاف لـ"فلسطين الآن": "هناك مليارات الدولارات ضاعت بسبب فساد المسؤولين الكبار الذي بعرفهم القاصي والداني، لكن لا أحد يمس بهم. هناك محسوبيات وواسطات وتسهيلات للمسؤولين تتجاوز القانون ولا أحد يتحدث عنهم.. هناك وزراء يسافرون مع عائلاتهم في رحلات تنزه على حساب الدولة.. وهناك وهناك،، "لكنهم ما بتشاطروا إلا على الضعيف". [title]قرار مرفوض[/title] وكان رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية بسام زكارنة قال إن مقترح قرار الإحالة للتقاعد المبكر الذي يمس حوالي 26,300 موظف مرفوض، وسيؤدي لانفجار وغضب الموظفين، مشيرا إلى أن "مقترح التقاعد، ووقف العلاوات الإشرافية وطبيعة العمل وبدل الانتقال، سيؤدي للانفجار ولا إمكانية للسيطرة عليه من أحد". وأوضح أن مقترحا وصل للنقابة بصيغة قرار للحكومة، فيه إحالة حوالي 26,300 موظف مدني وعسكري للتقاعد المبكر لمن أمضوا 15 عاما للموظفين المدنيين، و20 عاما للعسكريين، ليصبح راتب الموظف بعد التقاعد بحد أدنى 50% من راتب الموظف، إضافة لوقف علاوة الإشراف وطبيعة العمل وبدل الانتقال إلا وفق لوائح خاصة، وإلغاء علاوة المخاطرة ودمجها بعلاوة طبيعة العمل أو دفعها وفق قرار الوزير، وتعديل الشرائح الضريبية للموظفين وإضافة ثلاث شرائح جديدة دون قرار الرئيس أو التشريعي، وهي تعتبر من رواتبهم بين 81 ألف سنويا ولغاية 120 ألف يدفع 15%، ومن 121 ألف ولغاية 200 ألف 22.5%، وأكثر من 200 ألف 30%. وأوضح زكارنة أن هذا المقترح موجود على طاولة الحكومة للنقاش والإقرار دون أي تشاور مع التشريعي والفصائل والنقابات، وهذا المقترح الخطير يهدد الموظفين ليدخلوا ضمن شريحة الفقر المتقع خاصة أن 80% منهم لن يتقاضى سوى 50% من رواتبهم، مع العلم من أن رواتبهم كاملة لم تعد تكفيهم لمنتصف الشهر بسبب الغلاء الفاحش ومعظمهم يدفع قروض للبنك تصل لـ50%، علما أن نسبة الموظفين الحاصلين على قروض من البنوك تصل لـ65% . وأكد أن النقابة تدرك الصعوبات المالية للحكومة ومستعدة للتعاون لأي برنامج تقشفي مدروس يساهم في تعزيز الصمود في مواجهة أي محاولة للابتزاز السياسي للسلطة الوطنية، لكن بالمشاركة والحوار وليس التفرد وفرض القرارات وعدم إدراك لمخاطرها. ولفت إلى أنه تم دعوة مجلس النقابة للانعقاد لجلسة طارئة الأسبوع المقبل، لمناقشة الخطوات اللازمة للرد على هذا المقترح الخطير والمدمر في ظل استهداف خارجي، واستمرار الاستيطان وتهويد القدس والحصار المالي والسياسي. [title]آلية "فيغاس"[/title] من جهة أخرى، قدم الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي 5-1-2012، مساهمة بقيمة تقارب 47,7 مليون يورو لصالح دفع رواتب ومخصصات التقاعد لشهر كانون الأول إلى ما يقرب من 85,000 موظف حكومي ومتقاعد فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذه المساهمة التي تسير عبر آلية "بيغاس" الأوروبية ممولة من قبل المفوضية الأوروبية (26,2 مليون يورو) وحكومة إسبانيا (20,0 مليون يورو)، وحكومة إيرلندا (1,0 مليون يورو) وحكومة لوكسمبورغ (0,5 مليون يورو). يذكر أن هذه الآلية المالية أطلقت في عام 2008 لدعم خطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية للفترة (2008-2010) والخطة اللاحقة "الخطة الوطنية الفلسطينية" للفترة 2011-2013.