13.34°القدس
13.1°رام الله
12.19°الخليل
16.87°غزة
13.34° القدس
رام الله13.1°
الخليل12.19°
غزة16.87°
الخميس 26 ديسمبر 2024
4.58جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.58
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: إنهم يدفنونك حيّاً!

فوجئ عبد الرحمن بصاحبه خربوش وهو يبكي في صالة الضيافة، كانت الدموع تنبثق من عينيه بغزارة، لم يستطع أن ينتزع الكلمات منه بسهولة، كان من الواضح تأثره الشديد، لكنه هدأ تدريجياً، وراحت الكلمات المبللة بالدموع تحكي الحكاية، قال خربوش: التقيت اليوم بمحمد عبد الله زميلنا القديم، افتقدناه لما سافر إلى الضفة الشرقية قبل عشرين عاماً. محمد عبد الله كان مادة سخريتنا، كان الرجل صبوراً، لكن الموقف المؤذي الأخير جعله يرحل إلى حيث أخواله، دون أن يترك خبرا لأحد! كان محمد عبد الله يمتلك قبولاً لدى الآخرين، هيّأه لأن يلتحق بالوظيفة قبلي وقبل أحد زملائي، في مؤسسة محترمة، تحت التجريب. ودفعه نبل أخلاقه إلى تنبيهنا للالتحاق بالمؤسسة نفسها. كان التحاقنا بالمؤسسة من خلاله باعث ضيق واستصغار لنفوسنا المريضة، قال زميلي وهو يضحك: - كيف يمكننا أن نعمل على طرد صاحبك محمد، حتى لا يبقى صاحب فضل علينا؟! - هات لوامع الأفكار، وأنا معك على طول الخط! - لا بدّ من وضع حاجز كبير بينه وبين إدارة المؤسسة. - كيف؟! - الأخلاق سيف ذو حدين! اجتهد زميلي في تلفيق تهمة لمحمد، واعتمد على أن الناس لا يتبينون الحقيقة، ويكتفون بالشبهات، ولسان حالهم يقول دائما: مالنا وما للتعب في التحقق، الباب الذي يأتيك منه الريح؛ أغلقه وبذلك تستريح! لاحظ محمد اختلاف آلية التعامل معه، حاول أن يفهم الأسباب، لكن لا أحد يتكلم، تطوعت من باب حبك الموضوع بشكل جيد، وحكيت له عن الأسباب المتوقعة، فاجأ محمد الجميع لما قدم استقالته دون إبداء الأسباب، كان عزيز النفس، قوي الإرادة. اكتشفنا بعد فترة أن محمد يعمل في مكان آخر، بدرجة عالية من المسئولية الإدارية، بيني وبين نفسي سعدت له، لكن زميلي المؤذي وسوس لي، وقال: - هذا الرجل طالع طالع، إذا تركناه تميز علينا، لا بد من كسره قبل استمراره في الطلوع! - والعمل؟! - لا بد من مكيدة جديدة! - لكن... - هذه المرة عليك أنت يا صاحبي! تسلل زميلي إلى إدارة العمل الذي يعمل فيه محمد، ووضع بين أيديهم الأوراق القديمة الملفقة، ونقل إليهم هواجس جديدة. لم يكن الأمر سهلا هذه المرة، فإدارة العمل الجديد كانت تثق بمحمد كثيرا، وليس من السهل عليهم الاستغناء عنه لمجرد شبهات وهواجس. فوجئت بمحمد عبد الله يلجأ إلي من أجل مساعدته في توضيح الصورة، وإزالة الشبهات، تحرك ضميري النائم، لكن زميلي حاصرني بمنطقه الغريب. - نهاية محمد بين يديك، لا بد أن تدفنه حيّاً هذه المرة! - لكن... - إياك أن تتردد، لن تراه منافسا لك بعد ذلك. - في الدنيا متسع للجميع، إنه بعيد عنا، ويكفي ما فعلناه به قبل ذلك! - لا تنس تقوى الله، الرجل فاسد، وأنت شهدت على ذلك في المرة الماضية دون علمه، فهل تغير الحال؟ أرسلت لي اللجنة المكلفة، كان محمد عبد الله جالساً، رأيته قويا واثقا من نفسه، بدا أنه لم يتبادر إلى ذهنه أنني سأخون ثقته بي، لكنني أغمضت عينيّ عن الحقيقة، وانتصر الشيطان عليّ، وأسأت للرجل في مواجهته، كان مذهولاً، وقال لي كلمتين: - أهي مغاطسة؟! لماذا لم تكن واضحا من البداية؟! - إنني أخاف الله، ولذلك قلت ما أراه حقيقة! سكت الرجل ولم يعقب، لكن نظراته اخترقتني، وصرت أراها كلما ضاقت بي سبل الحياة، وكلما غفوت في أواخر الليل. إذا كنت مستيقظاً نفضت رأسي خجلاً من ذاتي، وإذا كنت نائماً استيقظت فزعاً، وأنا أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم!!!!! ابتسم عبد الرحمن وقال: "وكيف وجدت صاحبك محمد عبد الله اليوم؟"، قال خربوش: "إنه على رأس عمله في الضفة الشرقية، يحمل أرفع الدرجات العلمية، ويمتلك عدة مشاريع اقتصادية ناجحة، ويدعم بشكل فاعل العديد من المؤسسات الخيرية". قال عبد الرحمن: "وبأي وجه قابلك؟!"، قال خربوش: "أخذني بالأحضان، وقال لي أهلا بمن عاتبتني فيه نفسي!". قال عبد الرحمن:"لقد غفر لك إذاً، لا شك أنه من معدن طيب... إن حكايتك معه تذكرني بحكاية الحصان والفلاح!". قال خربوش: "وما حكايتهما؟". قال عبد الرحمن: "وقع حصان في بئر مياه عميقة وجافة، أقنع الفلاح نفسه أن الحصان أصبح عجوزاً، وأن استخراجه يكلفه ثمن شراء حصان آخر، كما أن البئر جافة من زمن طويل وتحتاج إلى ردم. نادى الفلاح جيرانه، وطلب منهم مساعدته في ردم البئر. بدأ الجميع بجمع الأتربة والنفايات وإلقائها في البئر. بعد قليل اندهش الجميع لانقطاع صوت الحصان. ثم تبين أن الحصان مشغول بهز ظهره كلما سقطت عليه الأتربة، يرميها على الأرض، ويرتفع بمقدار خطوة واحدة لأعلى، وعلى ذلك استمر الحال. وبعد الفترة اللازمة لملء البئر اقترب الحصان للأعلى، وقفز قفزة بسيطة، وصل بها إلى خارج البئر بسلام!!!!!". قال خربوش: هل يكفيني بكائي؟ وهل تطهرني دموعي؟! قال عبد الرحمن: من الواضح أن محمد عبد الله لا تفيده تلك الدموع، ولن يغير كثيرا من حاله اعترافك بالذنب، لكنك أنت من يستفيد إذا استكملت شروط التوبة والندم، وأعلنت للناس براءة الرجل من الافتراءات التي قيلت بحقه!