26.6°القدس
26.27°رام الله
24.97°الخليل
30.29°غزة
26.6° القدس
رام الله26.27°
الخليل24.97°
غزة30.29°
الأحد 01 سبتمبر 2024
4.77جنيه إسترليني
5.12دينار أردني
0.07جنيه مصري
4.02يورو
3.63دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.77
دينار أردني5.12
جنيه مصري0.07
يورو4.02
دولار أمريكي3.63

بفضل عادة "الشعبونية"

خبر: نابلس تتحول لخلية "صلة رحم" في شعبان

"اليوم عنّا شعبان"، "معزومة على شعبونية أبوي".. "كل شعبانية وانتو بخير".. باتت هذه العبارات في مثل هذه الايام من أكثر الكلام الذي تسمعه على ألسنة أهل مدينة نابلس الذين يحتفظون بعادات تميزهم عن غيرهم في بقية المدن الفلسطينية.. ومن هذه العادات "الشعبونية" -نسبة إلى شهر شعبان- التي حافظوا على ديمومتها عبر السنين. فمنذ اليوم الأول من شهر شعبان تتحول مدينة نابلس إلى خلية "صلة رحم" تتمثل في دعوات للأقارب إلى تناول طعام الغداء والمبيت في بعض الاحيان ليوم أو يومين أو أكثر حتى أسبوع. والمدعوون إلى مثل هذه الولائم يكونون في العادة من الأهل من الدرجة الاولى، حيث يدعو رب العائلة بناته المتزوجات وأسرهن لتناول طعام الغداء. وكانت العادة أن يبيت البنات عند أهلهن بصحبة أبنائهن الصغار، أما الأزواج فكانوا يتناولون الطعام ولا ينامون. كما أن الدعوات تشمل الأخوات سواء كن متزوجات أو غير متزوجات وكذلك العمات والخالات وبناتهن، كما أن هذه الدعوات كانت تشمل كثيرًا من الأقرباء البعيدين. [title]حتى الشعبونية تطورت[/title] بالطبع فإن الشعبونية ليست فرضًا، ولكنها عادة أصبحت تقليدًا وما زالت نابلس تؤديها وإن تطورت حيثياتها وأشكالها، حيث باتت تقتصر على يوم واحد فقط، بعد ان كانت الدعوة تشمل الإقامة والمبيت مدة تتراوح من ثلاثة أيام إلى أسبوع تُعَدّ فيها الولائم -للمقتدرين طبعًا- وتقام السهرات الليلية والحفلات العائلية السامرة، وتعيش تلك الأسرة الكبيرة في هناء وسرور. الحاجة أم مسعود زينة -72 عامًا- تستذكر تلك الأيام، فترتسم على وجنتيها ابتسامة، وتقول: "أذكر عندما كان يأتي جدي وأخوالي إلى بيتنا أول شهر شعبان، ويدعون والدتي للحضور في أول خميس من الشهر لقضاء الشعبونية عندهم، وأجلس أعد الأيام لليوم الموعود؛ لأنني سألتقي بالبنات من جيلي، نلعب ونلهو في ساحة المنزل وحول بركة الماء". وتضيف "أن النساء كن يستيقظن من الفجر، ويقمن بإعداد الخبز، بتقاسم الأدوار، بعضهن يجلبن الطحين وأخريات يقمن بعجنه بأيديهن وتقطعيه، وفئة ثالثة تخبزه على الطابون والصاج، بعدها تجتمع العائلة لتناول طعام الفطور؛ لتبدأ بعدها معركة ترتيب البيت وتنظيفه". وكانت النسوة يعملن بجد وتفانٍ كبيرين دون تعب أو ملل، وما إن ينتهين من التنظيف حتى يجتمعن في المطبخ لإعداد وجبة الغداء التي سيشارك بتناولها الجميع ذكورًا وإناثًا.. وتبدأ رائحة الطبيخ الفواحة تنتشر في كافة أرجاء الحي، وتكتمل الفرحة بالاجتماع على مائدة واحدة تمتد عبر الساحة الكبيرة تظلها الأشجار ودالية العنب، ولا تسمع سوى خرير الماء الخارج من نافورة البركة أو ارتطام المعالق بصحون الطعام. لم تنته يوميات الشعبونية عند هذا الحد، فإن النسوة برغم "الأشغال الشاقة" في ساعات النهار، كنّ يتزين ويلبسن أجمل ما لديهن من ملابس، في ساعات المساء، ويجتمعن على ضوء القمر، يتسامرن ويتحدثن ويستمعن إلى القصص والنوادر، ولا تخلو السهرة من الرقص الشعبي على صوت الطبل والدف بأداء جماعي جميل ومنسق. [title]شعبان.. في الكتب[/title] وفي كتابه "نابلسيات من بواكير الذكريات والوجوه والصور الشعبية" يصف الكاتب النابلسي مالك فايز المصري عادة الشعبونية عند أهل نابلس فيقول: "في شهر رمضان يعمد الصائمون إلى تفادي أنواع من الأطعمة، تلك التي تزيد عطشهم وتنفخ بطونهم فيمتنعون عن أكل الموالح، ويقللون من تلك المولدة للغازات أو التي إن أكلت مع الحلوى الرمضانية تسبب تلبكًا في المعدة والأمعاء. ولما كانت مثل هذه الأطعمة رغم مساوئها لذيذة شهية فقد جرت العادة أن يكرس شهر شعبان لمثلها، فإذا تلبكت المعدة فشهر رمضان كفيل بإصلاحها -صوموا تصحوا- فهو شهر الراحة والأطعمة المختارة. وإذا كان الرجال مطالبين في الأعياد بزيارة بناتهن وقريباتهن لتقديم العيدية النقدية لهن، فكان لا بد من وجود مناسبات تقوم فيها تلك النسوة بزيارة "بيت العيلة" بدعوة منهم، وكان من هذه المناسبات شهر شعبان لقضاء أيام "الشعبونية". ويضيف مالك في كتابه: "لست على يقين من أن دعوة النسوة هي بحافز صلة الرحم أو للمشاركة في إعداد الطعام المتنوع الذي يتطلب عددًا وفيرًا من النسوة الماهرات، ولكنني أميل إلى الجمع بين الحافزين بدليل أن صلة الرحم كانت أمرًا شائعًا، وتعتبر من علامات المروءة والشهامة". [title]مآرب أخرى[/title] وهناك أسباب أخرى للدعوة إلى الشعبونية مثل اختيار العروس والتعرف عليها عن قرب، فعندما كانت إحدى النساء تريد تزويج ابنها كانت تستغل وجود عدد كبير من النساء أيام شعبان؛ لتشاهد المخطوبة عن قرب، وتتأكد من مهاراتها البيتية الأخرى كالطبيخ والتنظيف، والتضييف، والسلوكيات الأخرى. كما كانت الشعبونية تمتد لتشمل دعوات إلى "الحمام" للاغتسال، فمن المعلوم أن الحمامات -ونابلس مشهورة بها- كانت المكان الوحيد والمفضل لاجتماع الناس للاغتسال الأسبوعي، وكان هناك مآرب أخرى عند النساء في ارتياد الحمامات للاطلاع عن كثب "فحص فسيولوجي غير مباشر لأجساد البنات المراد خطبتهن".