22.78°القدس
23.16°رام الله
22.19°الخليل
26.3°غزة
22.78° القدس
رام الله23.16°
الخليل22.19°
غزة26.3°
الإثنين 05 اغسطس 2024
4.87جنيه إسترليني
5.36دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.8دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.87
دينار أردني5.36
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.8

خبر: بنادقكم جوازاتُ سفركم

في مثل هذه الأيّام قبل سنواتٍ ثلاث، كانت القلّة القابضة على جمر العزّة، تحملُ اللواءَ الأخير، وتحمي القلعة التي تحصّن بها آخر فرسان الزّمان الجميل، كان الملثّمون يتقاطرون في الأزقّة الضيّقة المكشوفة، تتربّصُ بهم عيون الزنانات، وفوّهات الدبابات، وصواريخ الطائرات، ولا سلاح لهم إلا ما تحملُه الأيدي، ودعواتٌ صادقة تنطلق من شبابيك البيوت التي فتحها القصفُ في "الأربعينية" رغم أنوف أصحابها!. القلوب بلغت الحناجر! لم تكن قلوب أهل غزّة وحدها، بل قلوب الأمّة جمعاء، كانت تحلّقت حول القلّة الملثّمة تلك، حتى المذيعون في الفضائيات كانوا يضغطون على مخارج الحروف حين يسألون الناطقين عبر الفضاء عن إمكانات التصدّي وحدود الصّمود! كان ظلامًا لا تزيده شهب الفسفور إلا ظلمة، وكان نوره الوحيد رسائل انطلقت من قلب المعركة، إنّها رسائلُ رئيس الوزراء المقاتل! يعرفُ كلّ من عايش الحربَ وقع الكلمات حينئذ، ويعلمُ كيف كانت تتنزلُ على القلوب المشتعلة حزنًا وألمًا كحبّات المطر، بردًا وسلامًا، وأنّها كانت صورة من صور عزّة المسلمين، في زمن ذلّتهم وهوانهم، كان يقول: "أيها المجاهدون، نقبل رؤوسكم، نقبّل أيديكم، نقبّل الأرض من تحت نعالكم". في تلك اللحظة المهيبة، تعانقت قلوب الأحرار من أقصى الأرض إلى أقصاها، حول هنيّة، ورددت ما قال في صدقٍ وألم. ثلاث سنوات مرّت، وإذا هنيّة في ذكرى تلك الأيّام المُرّة يجوب بلاد العرب والمسلمين، يطوف على الثائرين، يقول لهم: أنتم إلى القدس أقرب، ويقولون له: إنّما نحيا ببركة جهادكم وصبركم وثباتكم ودماء شهدائكم. كلُّ غزيّ تابع أخبار جولة رئيس الوزراء كان يشعر بقبلات الأحرار على رأس هنيّة، تلامس جبينه! تداوي جراحات قلبه التي لم يشفها مرُّ ثلاث سنين! كلّ غزيٍّ رأى في تكريم "أبو العبد" وسامًا على صدره، على صدرِ غزّة، ببيوتها المهدّمة، وشوارعها التي جرت فيها دماء الأطفال أنهارًا، وبملثميها الذين أعادوا –بوجوههم المخفاة- للأمّة إشراق وجهها. القاهرة التي شهدت إعلان الحرب على غزّة، ومنها اقتفى فرعونُ الأخير خطى فرعون الأوّل، تستقبلُ هنيّة استقبال الأبطال، ترفعُ صوره، وتهتف باسمه! والسودان شريك الصّمود، والصبر على مرارة الحصار وتحدّي الغطرسة الغربيّة، كان ينظر إلى هنيّة/غزّة كأنّه ينظر في المرآة! وتركيا التي تبنّت غزّة حين ألقاها أهلُها في البحر، فمزجت البحر بدماء أبنائها، تحتضن بقائدها أردوغان هنيّة احتضان الأخ الحبيب القريب. كانت مشاهدُ الاستقبال فوق الوصف، ولا أعلمُ رجلًا في الأمّة يمكن أن يحظى بمثل هذا الاستقبال والاحتفاء الرّسميّ والشّعبيّ إلا هنيّة، فأيّ سرّ هو سرّ هنيّة؟! لا ينكرُ إلا حقود ما أنعم الله به على الرّجل من حسن الخَلق، ودماثة الخُلق، ولطف المعشر، وحسن المنطق، ونبل الفِعال، غيرَ أنّني أعلمُ أنّ ذلك كلّه ليس سرّ "أبو العبد". سرُّ "أبو العبد" كشفتهُ تونس أوضح من الشّمس، وقالته بصريح العبارة، إذ استقبلته منشدةً: "قال القائد إسماعيل .. لن نعترف بإسرائيل!" وأتبعته بهتافٍ فصيح، بلسانٍ عربيٍ مبين، ولهجة تونسيّة محبّبة: "مُقاوْمَة مُقاوْمَة.. لا صلح ولا مُساوْمة!". هذا هو السرّ إذن! الثبات على الثوابت، والتمسّك بالمقاومة! طَرِب قلبي والله لهتافات التونسيّين! انتشلتني كلماتهم المباركة المختصرة والمعبّرة من وحل تصريحات من نصب نفسه ناطقًا باسم حماس، وما أكثر المتطوّعين –غير مأجورين- للنطق باسمها في الأيام الأخيرة، يشيعون كذبًا وزورًا: أنّ حماس تخلّت عن الكفاح المسلّح، أو تكاد! وإنّي إذ أعيذ حماس أن تضع البنادق أذكّرها أنّ احتفاء الأمّة بهنيّة، ليست إلا لأنّه مثّل لها رمز الثبات والمقاومة معًا، إنّه مندوب غزّة المقاتلة لدى الأمّة، غزة التي صنعت التاريخ، وعلّمت الدّنيا معاني الصّبر على الحصار والصبر على الحرب والصبر على الخذلان، والصبر على الحصار والحرب والخذلان جميعًا في آن! وكيف تضع حماس البندقيّة وقد علمت أنّه: "بالبنادق والخنادق والمسالح تكون الحياة: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ (الزمر: 36)، وما نُزِعت البندقيةُ من أحد وعاش بعدها كريمًا؛ فالتاريخ ورسومه الدارسات، وأطلاله وأعقابه اليابسات، والزنازين والحواشر التي عرفت في السنوات السابقات تعظك أن تضع البندقية لحظة؛ فعانقها، وعاهدها أن تبقى معها إلى أن تموت"*. يا بني حماس: إنّ النّاس أحبّتكم وعشقتكم، لأنّكم حملةُ بنادق، ولأنكم أصحاب مبادئ، إنّ النّاس استقبلوا هنيّة الثابت المقاوم، ولم يستقبلوا هنيّة رئيس الوزراء فقط، لم تكن المقارّ والمنازل والمؤسسات والمساجد والبيوت محطّات جولة هنيّة الحقيقية، بل إنّ محطّته الأهم كانت قلوب المحبّين المخلصين، وإنّه لم يدخلها بجواز سفره، بل بما يمثّلُه، فتمسّكوا بما أحبّكم الناس من أجله وتولّوكم بسببه، واعلموا أن بنادقكم هي جوازات سفركم! ** ما بين الأقواس مقتبسٌ من مقالة للوالد الشهيد رحمة الله عليه.