21.35°القدس
21.04°رام الله
19.97°الخليل
24.46°غزة
21.35° القدس
رام الله21.04°
الخليل19.97°
غزة24.46°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: كماشة في الزنزانة

يثير القشعريرة ما كشفه عيسى قراقع عن استخدام المحققين الصهاينة أساليب قمعية ووحشية ولا أخلاقية في تعذيب الأسرى خلال استجوابهم؛ لإجبارهم على الاعتراف بتهم باطلة منسوبة إليهم، وكان آخرها استخدام كماشة في تعذيب الطفل الأسير نور حمامرة (15 سنة) من قرية حوسان. في كل محفل يخرج "نتنياهو" ويتشدق بملء فيه بكذب بواح بأن جيشه هو الأكثر أخلاقية من بين جيوش العالم أجمع، والحقيقة هي عكس ذلك تمامًا، والشواهد لا تعد ولا تحصى لكثرتها وتكرارها مرارًا. شهادة الطفل حمامرة أفادت أن أحد المحققين _ويدعى (يوسي)_ استخدم "كماشة" في تعذيبه، عندما أجبره على فتح فمه بالقوة، وخلع حبة من جسر التقويم المركب على أسنانه، مهددًا إياه بالاعتراف وإلا فسوف يخلع أسنانه كلها؛ فنزفت الدماء من فم الأسير وشعر بآلام شديدة في فمه ورأسه، ما أجبره على الاعتراف بإلقاء الحجارة أمام هذا النوع الوحشي من التعذيب الذي لا يوصف. ليس بإنسان من يرى أخاه الإنسان _مهما كان لونه أو دينه_ يهان ولا يحرك ساكنًا، ليس بإنسان من يرى أخاه في الإنسانية يتألم فلا ينصره أو يحاول رفع الظلم عنه، كل إنسان لا يتألم لألم أخيه الإنسان بغض النظر عن لونه أو دينه أو انتمائه يتجرد بذلك من معاني الإنسانية، وينزل إلى الحضيض بأقل مرتبة من الحيوانات، ولاحقًا يخسر دنياه وآخرته. أحيانًا يصعب على المرء الكتابة عن معاناة الأسرى ما لم يمر بتجربة الأسر المريرة، ويعايشها بنفسه، ويعاين الدقائق والثواني التي هي ليست سريعة كما في الخارج، بل متوقفة، أو بطيئة، وثقيلة، وحملها على النفس أثقل من حمل الأحجار الثقيلة. خلال التحقيق في الزنازين الزمن يكاد يتوقف؛ فلا ليل ولا نهار، ولا ساعة، ولا صوت أذان، ولا صباح ولا مساء، بل ضوء خافت في سقف الزنزانة، وأصوات السلاسل وطرق أبواب الزنازين، وصراخ التعذيب، وهذا كله كوم، والبرد القارس أو الحر الشديد كوم، كما يقولون في المثل العامي. الطفل نور وهو في الزنزانة وأمام ألم الكماشة ليس له إلا الله، والتضرع إليه؛ فلا دواء ولا علاج إلا حبة (أكامول)، وأحيانًا لا يقدمها السجان، ويقول للمريض: "أكثر من شرب الماء". قد يستغرب المرء أن يعترف طفل أو شاب بتهم لم يفعلاها، ولكن مرحلة التحقيق من أشد مراحل الأسر والاعتقال؛ فخلالها يظن المرء أنه لا يوجد على هذا الكون بشر وأناس من لحم ودم، بل حيوانات كاسرة على صورة بشر، فلا رحمة ولا إنسانية، ولا عقل، ولا منطق يحكمهم. كل ما في الأمر _ببساطة_ اعتراف وخلاص، ولو كان كذبًا، وهو ما يحصل مع الطفل نور وغيره من الأسرى _خاصة ذوي التجربة الأولى_ للخلاص من التعذيب الذي لا يقدرون على احتماله، وهذا يتبع قدرة كل أسير على التحمل، وهي تختلف من شخص إلى آخر، فلكل إنسان طاقة معينة. كماشة وتعذيب في الزنزانة أمر غير مسبوق، وهو ما يشير إلى أن محققي الاحتلال يحوزون حصانة من المساءلة من قبل مؤسسات حقوق الإنسان ومن قبل المؤسسات الدولية، وإلا ما تجرؤوا على انتهاك كل ما تعارفته البشرية من قوانين وأنظمة تحرم وتجرم تعذيب الأطفال. صور التعذيب كثيرة جدًّا لدى محققي الاحتلال، وكل وسيلة لا تقل همجية ووحشية عن الأخرى؛ فهناك أيضًا تقييد الأيدي للخلف، ووضع الكيس النتن في الرأس، والضرب والشبح، وسب الذات الإلهية، والأم والأخت والبنت، ومنع النوم والأكل والشرب. في المحصلة: ثمن الانقسام أضعاف أضعاف ثمن الوحدة، ولن يبقى الاحتلال وسيزول كما زال من كان قبله، ولكن حتى تلك اللحظة يجب أن نشمر عن سواعدنا، ونتفق على ما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، ولا ندع التناقضات الفرعية تطغى على التناقض الرئيس؛ فالزمن لا يرجع إلى الخلف، والكيس هو من عمل بجد واجتهاد في حاضره لمستقبله، ولم يترك مصيره، "إذا مالت الريح مال حيث تميل".