21.35°القدس
21.04°رام الله
19.97°الخليل
24.46°غزة
21.35° القدس
رام الله21.04°
الخليل19.97°
غزة24.46°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: أنهلك وفينا الصالحون؟؟

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً، يقول: "لا إله إلاّ الله، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"، وحلّق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال:"نعم، إذا كثر الخبث" (متّفقٌ عليه). من بدهيات الدين ومسلماته أن صلاح الصالحين إنما يكون لأنفسهم، وقد يتعدى صلاحهم ليعم بخيره الآخرين، لكن المصلحين أعلى مقاما ودرجة عند الله تعالى، لأنهم حققوا الصلاح في أنفسهم وارتقوا درجة أعلى فاجتهدوا في إصلاح غيرهم بدعوتهم ترغيبا وترهيبا، فالإصلاح عمل الرسل والأنبياء، ووجود المصلحين هو الحاجز بين هلاك الأمم وإفنائها، قال تعالى:"وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون" (هود:117). ولنقف مع صاحب المنار الذي امتاز في تفسيره عن غيره المفسرين المتقدمين منهم والمتأخرين بتركيزه على إبراز السنن الكونية التي أقام الله عليها نظام الكون في عالمه الكوني العلوي وعالمه البشري الاجتماعي، يقول الشيخ محمد رشيد رضا ملتمسا تلك السنن في هذه الآية والتي قبلها من سورة هود "فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممّن أنجينا منهم واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين": "فهلا كان - أي وجد - من أولئك الأقوام الذين أهلكناهم بظلمهم وفسادهم في الأرض، جماعة أصحاب بقية من النهى والرأي والصلاح ينهونهم عن الفساد في الأرض، وهو الظلم واتباع الهوى والشهوات التي تفسد عليهم أنفسهم ومصالحهم، فيحول نهيهم إياهم دون هلاكهم، فإن من سنتنا ألا نهلك قوما إلا إذا عم الفساد والظلم أكثرهم، كما يأتي في الآية الثانية".. ثم تحدث الشيخ رضا عن وجوه التفسير المحتملة للآية الكريمة فقال: "أي وما كان من شأن ربك وسنته في الاجتماع البشري أن يهلك الأمم بظلم منه لها في حال كون أهلها مصلحين في الأرض، مجتنبين للفساد والظلم، وإنما أهلكهم ويهلكهم بظلمهم وإفسادهم فيها، كما ترى في الآيات العديدة من هذه السورة وغيرها". وتابع تفسيره قائلا: "وفي الآية وجه آخر، وهو أنه ليس من سنته تعالى أن يهلك القرى بظلم يقع فيها - مع تفسير الظلم والشرك - وأهلها مصلحون في أعمالهم الاجتماعية والعمرانية، وأحكامهم المدنية والتأديبية، فلا يبخسون الحقوق كقوم شعيب، ولا يرتكبون الفواحش ويقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر كقوم لوط، ولا يبطشون بالناس بطش الجبارين كقوم هود، ولا يذلون لمتكبر جبار يستعبد الضعفاء، كقوم فرعون، بل لا بد أن يضموا إلى الشرك الإفساد في الأعمال والأحكام، وهو الظلم المدمر للعمران، ويحتمل أن يراد أنه لا يهلكها بظلم قليل من أهلها لأنفسهم، إذا كان الجمهور منهم مصلحين في جل أعمالهم ومعاملاتهم للناس.." وأورد الشيخ رضا ما ذكره المفسرون في الوجه الثاني القول المشهور المعبر عن تجارب الناس، وهو "أن الأمم تبقى مع الكفر، ولا تبقى مع الظلم" معقبا على الأقوال الثلاثة بقوله: "والأوجه الثلاثة في الآية الصحيحة، ويجوز إرادتها كلها على القول بأن جميع ما يدل عليه الكلام مما شأن صاحبه أن يعلمه ولا يكون متعارضا في نفسه يصح أن يكون مرادا له، وإن كان من المشترك أو كان بعضه حقيقة وبعضه مجازا..". واستظهر الإمام القرطبي من الآية ما يقوي الوجه الثاني الذي ذكره الشيخ رضا، يقول القرطبي: "أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان، وقوم لوط باللواط، ودل هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشرك، وإن كان عذاب الشرك في الآخرة أصعب، وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده". إن هذا الوجه في تفسير الآية يؤسس إلى أن العذاب الاستئصالي الذي كان ينزله سبحانه بالأقوام السابقة، لم يكن بسبب الشرك والكفر المجرد، بل كان لما تقع فيه تلك الأقوام من مفاسد اجتماعية، وكبائر أخلاقية تفسد الحياة وتجعلها جحيما لا يطاق، وقد دلل على ذلك الشيخ رضا بما وقع في الأقوام السابقة، كقوم لوط وهود وفرعون، وأضاف إليها الإمام القرطبي معصية قوم شعيب ببخس المكيال والميزان، من ارتكابهم المعاصي الاجتماعية التي تفسد حياة الناس. حينما تنتشر المعاصي والمفاسد الاجتماعية في الناس، وهي المعبر عنها في قوله عليه الصلاة والسلام "نعم إذا كثر الخبث" من غير أن تجد من يقوم بمقاومتها والإنكار على أهلها فإن ذلك مؤذن بخراب العمران، وحلول العذاب العام الذي يعم الصالحين قبل غيرهم، والخبث يشمل الأعمال الخبيثة، ويشمل الخبثاء الذين يقومون بإشاعة الأعمال الخبيثة وتكثيرها وتجذيرها في المجتمعات البشرية. كم يفرح الفاسدون والمفسدون حينما يرون أهل الصلاح منكفئون على أنفسهم، يديمون أداء شعائرهم التعبدية، ويطيلون القيام والتلاوة والركوع والسجود في المساجد، من غير أن يكون لهم أدنى علاقة بالمجتمع الذي يعيشون فيه، يحسبون أنهم بصلاحهم وزهدهم ونسكهم، قد أدّوا ما عليهم، غافلين أو متغافلين عن أن سكوتهم عن المستبدين المفسدين، وخنوعهم أمام الفاسدين العابثين، الذين يجاهرون بالمعاصي ويتباهون بها، ويسعون لإشاعتها بين الناس يعرضهم لسخط الله وعذابه، ويدخلهم في زمرة المعذبين. وما أصدق وأدق ما قاله العلامة الطاهر بن عاشور عند قوله تعالى: "واتّقوا فتنةً لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّةً واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب" (الأنفال: 5): "فعلى عقلاء الأقوام وأصحاب الأحلام منهم إذا رأوا دبيب الفساد في عامتهم أن يبادروا للسعي إلى بيان ما حل بالناس من الضلال في نفوسهم، وأن يكشفوا لهم ماهيته وشبهته وعواقبه، وأن يمنعوهم منه بما أوتوه من الموعظة والسلطان، ويزجروا المفسدين عن ذلك الفساد حتى يرتدعوا، فإن هم تركوا ذلك، وتوانوا فيه لم يلبث الفساد أن يسري في النفوس وينتقل بالعدوى من واحد إلى غيره، حتى يعم أو يكاد، فيعسر اقتلاعه من النفوس، وذلك الاختلال يفسد على الصالحين صلاحهم، وينكد عيشهم على الرغم من صلاحهم واستقامتهم، فظهر أن الفتنة إذا حلت بقوم لا تصيب الظالم خاصة بل تعمه والصالح، فمن أجل ذلك وجب اتقاؤها على الكل لأن أضرار حلولها تصيب جميعهم".