24.98°القدس
24.58°رام الله
23.86°الخليل
25.39°غزة
24.98° القدس
رام الله24.58°
الخليل23.86°
غزة25.39°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: حاملات هم أم صانعات همة

لم يكن عبد الرحمن بن عوف أي صحابي بل من العشرة المبشرين بالجنة ومن أصحاب السبق والموقف في حياة المصطفى وبعد مماته صلى الله عليه وسلم؛ لذا فرؤيته وتصرفه تنبع من المدرسة النبوية والتصاقه والتزامه بها وتصدر عن مشكاتها، ثم وجوده في موقف حساس عهدت اليه الأمة بأمانة الترجيح بين مرشحين في زمن الخلافة الثالثة بين عثمان وعلي؛ فكان فعله غاية في السمو والتقدم والوعي وقد جاء في الحديث الذي يخبر عن هذه المرحلة: «ثم نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس جميعا فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم جميعا واشتاتا مثنى وفرادى ومجتمعين...حتى خلص الى النساء المخدرات في حجابهن...». وفي العبارة «حتى خلص الى النساء المخدرات في حجابهن» إيحاءات غاية في الدقة؛ فهو في هذا الامر العظيم والوقت العصيب ومفترق الطرق من حاضر ومستقبل الأمة لم يقبل أن يُهمش نصف المجتمع، لم يرض ان تكون المرأة متلقية للقرار السياسي الذي سيؤثر على حياتها، بل أرادها مشاركة وصانعة له منذ الخطوة الاولى، لم يقبل بالرجال لينوبوا عنها او توكلهم في أمرها، فلماذا يكون رأيها مطلوبا في زواجها تصريحا او تلميحا ولا يكون مطلوبا في قضايا المجتمع؟!؟! الأ تتأثر فيها بذات درجة تأثر الرجال؟! الا تصب القرارات التي يأخذها الرجال في محافلهم العامة في صلب ومنتصف حياتها وبيتها؟ فلماذا يسد عنها أحد في القرار والرأي؟ وماذا يمنع أن تكون هي حاضرة في صناعة الحدث؟! في العبارة إشارات أخرى يدل عليها فعل (خَلُصَ) بمعنى ان ابن عوف بذل جهدا في تغيير المجتمع وعاداته واقناعه حتى يخلّو بينه وبين استشارة النساء؛ فالمجتمع القبلي المحافظ الخ من تعدد الصور والالقاب كان بعمومه لا يرى المرأة سوى حاملة للذرية وراعية للبيت حتى جاء الاسلام وأكرمها بالفاعلية والعطاء، ولكن بقيت علائق فكرية وممارسات تحصرها فقط في خدرها وتبالغ في وضع القيود عليها، أو تفسر الدين على الهوى وتعزله عن سياقه، حتى بلغت السفاهة أوجها في أيامنا فجرى المثل «شاوروهن وخالفوهن»، ولم تعد المرأة تذكر الا ويستدل المغرضون والجهلة بحديث ناقصات العقل والدين دون فهم معناه وسياقه فيسيئون للدين وصورة الدين الذي أتى لإكرام المرأة! لم يرض ابن عوف وهو في موقع المسؤولية والأمانة ان تقبل المرأة ان تنأى بنفسها عن الميدان، او تكون مجرد زوجة او ابنة او راعية بيت او ربة منزل فقط، كل هذه منازل عظيمة ولكن لا يمنع معها ان تكون صاحبة وعي وفكر ودور اجتماعي، فحولها من دور المتلقي والمنفذ الى دور الاطلاق والمبادرة، فهم ان دوره كرجل مسؤول يقتضي ان ينهض بالجميع رجالا ونساء حتى من اخترن لانفسهن ميدان العائلة فقط، ففي أمر الأمة رأى ابن عوف أن دور ورأي المرأة بذات الأهمية كدور الرجال ولم يقبل بالوكالة او الانابة عنهن. تأتي هذه الممارسة في العصور الراشدة لتوضح التباين الكبير الذي وصلت اليه مشاركة المرأة فيما يعرف بمواطن صنع القرار وحالة الغياب شبه التام او الوجود التجميلي للمرأة فيها، الذي جعل المجتمعات الدولية تلاحقنا بعصا العولمة والعلمنة لما يعرف بحرية المرأة وحقوقها التي أدركناها وهم ما زالوا في اوروبا يتناقشون في روح المرأة وكيانها من روح الرب ام روح الشيطان؟! تأتي هذه الممارسات لتكون شاهدا على الحركات الاسلامية التي تتبنى المرجعية الدينية في ايدلوجياتها، وما زالت تناقش في وجود المرأة ومحدداته والابعاد الشرعية، ويتشدد بعض ويتساهل آخرون، وتضيع المسألة ويبقى وضع المرأة في الحركات الاسلامية كما عدديا وليس نوعيا، بل يلجأون الى الكوتا من باب التمكين التدريجي لادماج المرأة في العمل السياسي الاسلامي، واي تدرج ظل ونحن في القرن الواحد والعشرين وبعض الدول تقودها نساء؟! بل أي رجل من الذين يعملون في الحركات الاسلامية يمكن ان يقدم او يؤثر امرأة كفؤة بمنصب شغله الرجال من قبل؟ بل أي حركة أخرجت النساء من قطاع العمل النسائي الصرف الى العمل في كل القطاعات؟! لقد عدنا نحبو بعد ان كنا قطعنا السباق كله في عصر الرشد، ولكن الرائد يومها كان ألمعيا مجددا استفز في المجتمع كل طاقاته وحرك كل افراده، ولم يرض للنساء ان يبقين في حجرهن، لم يرض ان تحمل النساء هم قرارات الرجال في الحرب اوالسلم، في الاقدام اوالاحجام، بل اراد لهن ان يكن صانعات القرار وباعثات الهمة ومنطلق العمل؛ فكل العظيمات من النساء اللواتي خلد اسمهن في التاريخ كن جنبا الى جنب رجالهن، وليس كما يقول المثل «وراء كل رجل عظيم امرأة»! إرثنا الاسلامي والحضاري متقدم بل وسار كل المسيرة وقدم النموذج، نحن الذين تأخرنا عن اللحاق، وأعاقنا البعض من الداخل، فمن أراد العود الى السكة فعليه بنهج الراشدين المهديين كما أخبر الرسول في تفعيل المرأة ودورها، حتى لا يبقى المجتمع يحجل على قدم واحدة ويعمل بنصف طاقته!