الوفود التي زارت قطاع غزة خلال الفترة الماضية عبرت بوضوح عن خطورة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وحذرت من انعكاس ذلك على الأوضاع الأمنية، وآخرها وزير الخارجية الألماني في زيارته لغزة، حيث وصف الوضع بأنه على برميل بارود. تصريح وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير تعزيز لما ذكر سابقاً، لكن أهميته تنبع من حديثه عن الأمن الاقتصادي، وترجمته أن تنعم غزة بالأمن الاقتصادي، وما يمكن أن يعتبر تسهيل الحياة اليومية للمواطن، ما ذكر مهم وحقيقي، وكل ما تم تداوله مع جهات الاختصاص في غزة يتركز على ضرورة تجنيب غزة مواجهة قادمة لأسباب تعود لدى الطرفين وتحديداً حماس والاحتلال. الاحتلال يرغب في هدوء جبهة غزة خلال المرحلة القادمة، ويرغب بأن تلعب ألمانيا دوراً في تحريك ملف الجنود المفقودين، وهو من الملفات الحساسة لدى الاحتلال، وما صدر عن وزير الجيش الاسرائيلي موشي يعلون حول نفي ارتباط زيارة وزير الخارجية الألماني لغزة بقضية الجنود المفقودين، ما هو إلا استجداء لدور ألماني في هذا الملف، وهو ما يمكن أن يعتبر تحريكاً مهماً لما يرغب به الاحتلال بتهدئة بغزة، لكن يريدها من باب تحقيق الإنجاز. الاحتلال يتابع باهتمام الواقع الإنساني في غزة، ويحرص على عدم الذهاب لمواجهة، وهو لا شك رغبة لدى حماس بعدم الذهاب للمواجهة أيضاً، لكنها تحرص على أن يلتزم الاحتلال بفك الحصار عن قطاع غزة، دون تقديمها أي تنازلات وخاصة ما يتعلق بعملها المقاوم. الأمن الاقتصادي هو مشروع إسرائيلي قديم طرح خلال الانتفاضة الأولى ولم ينجح في التطبيق، وعندما تمت الموافقة على إنشاء السلطة الفلسطينية، جاءت في سياق حل اقتصادي وليس من باب إعادة الحقوق، لذلك استمرت الأزمة وتجددت وتصاعدت باندلاع انتفاضة الأقصى الثانية، لأنها قائمة على تجاهل الحقوق الفلسطينية وتوفير أمن اقتصادي شكلي منزوع الاستقلالية. من المتوقع أن وزير الخارجية الألماني أراد أن يحرك المياه الراكدة في ملف التهدئة التي يتم الحديث عنها بين المقاومة والاحتلال في غزة، تحقق لأطرافها المصالح المرجوة، حيث يرغب الاحتلال بتهدئة بعد أن عجز عن تحقيق أهدافه وإنهاء وجود حماس في غزة، ولم يعد يحتمل تجدد المواجهة التي يرغب أن يركزها في الشمال، حيث برميل بارود آخر لا يعرف متى ينفجر؟ وما هي أبعاده؟، وفي نفس الوقت بدأ يقتنع أن حلاً في غزة يمثل مخرجاً له من المواجهة التي يخسر فيها كثيراً. بينما حماس تحرص على فك حصار غزة، في سياق مشروع المقاومة الذي تتبناه، وترغب في تحقيق سياسة الردع للاحتلال لمنع اعتدائه على غزة، وفي نفس الوقت ترغب بتهدئة تساهم في وضع حد لحصار غزة لكن بضمانات دولية تضمن استقلالية في التحرك وإعادة الإعمار، بدون دفع أي ثمن سياسي مقابل ذلك، و أن تبقى مطلوقة اليد في تطوير قدراتها العسكرية، وعدم المس بسلاحها، وألا تكون تهدئة طويلة الأمد أو مفتوحة بلا سقف زمني. لذلك الأمن الاقتصادي لا يمكن أن ينجح دون ربطه بالحقوق الفلسطينية ومشروعية مقاومة الاحتلال، ويحقق للشعب الفلسطيني الاطمئنان والاستقرار والعيش بأمن وأمان.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.