13.86°القدس
13.44°رام الله
13.86°الخليل
19.43°غزة
13.86° القدس
رام الله13.44°
الخليل13.86°
غزة19.43°
الخميس 14 نوفمبر 2024
4.77جنيه إسترليني
5.29دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.96يورو
3.75دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.77
دينار أردني5.29
جنيه مصري0.08
يورو3.96
دولار أمريكي3.75

خبر: حالة استنزاف

في تفاصيل الأحداث التي طرأت مؤخرًا على واقع غزة، ومسارعة كيان الاحتلال للرد بقصف مواقع للمقاومة بعد إطلاق بضعة قذائف على مستوطنات غلاف غزة, تبدو معالم المعادلة على جبهة غزة قاسية وصعبة، وتستدعي تفكيرًا بعيد المدى بواقع المقاومة ككل، ومدى إمكانية الحرص على استمرارها وفق نمط مختلف عن حالة الحروب الأخيرة. ولعل مشروع المقاومة يُظلم كثيرًا حين يُحصر (فلسطينيًّا) في غزة, بواقعها وتعقيداتها وحصارها وصغر مساحتها، ثم حين يكون مطلوبًا من المقاومة فيها أن تُبدع تكتيكات عالية المستوى وتستنزف جهودًا كبيرة لمفاجأة المحتل والتغلب على نقاط تفوّقه في جولات المواجهة التي بات معروفًا أنها لن تتوقف وستتجدد كل بضع سنوات، ما دامت حماس في غزة ترى في المقاومة عنوانها الأبرز ومنهجها الذي لن تتحوّل عنه. صحيح أن الاحتلال يعي جيدًا كلفة مغامرته بشنّ عدوان مفتوح جديد على غزة على غرار الحروب الثلاث السابقة، وصحيح أن تطور إمكانات وتكتيكات المقاومة وخصوصًا كتائب القسام خلال الحرب الأخيرة, ساهم في ردع الكيان عن الاستباحة المزاجية لقطاع غزة، لكنه في المقابل لا يمكن أن يغفل عن التطورات التسليحية في واقع المقاومة، أي استفادتها من عامل الزمن لترميم بنيانها وتوسيع نفوذها وتعزيز قدراتها. وهو ما يعني أن قطاع غزة سيظلّ مستهدفاً بشدّة ما دام حال المقاومة فيه لم يتغيّر، وما دام بعيداً عن التورّط في خطيئة التعاون الأمني مع المحتل وتواطؤ سلطته مع عدوّها على ذبح المقاومة وتجفيف منابعها. فالحالة الراهنة تشير إلى أن قطاع غزة بات جبهة المقاومة الوحيدة التي تهدد أمن الاحتلال، وأن حدوده كلها في مأمن، بعد انسحاب حزب الله من معادلة المواجهة وتورطه في المشروع الإيراني في عدة ساحات، أما واقع الضفة والقدس ومناطق 48 فيتحدث عن نفسه، ولا يشي بإمكانية استعادة دوره في المواجهة على المدى القريب، إلا من عمليات متفرقة ومتباعدة وفردية الطابع في غالبها، نظرًا لفقر الإمكانيات التسليحية والتخطيطية السليمة للعناصر المستعدة لحمل عبء استكمال مشروع المقاومة في هذه المناطق، وإحكام القبضة الأمنية فيها من قبل الاحتلال والسلطة على حد سواء، والتي توظف جهودًا كبيرة في إبقاء جدار (الأمن المطلق لإسرائيل) خاليًّا من أية ثغرات. غير أن ساحة الضفة والقدس، كما ساحات أخرى على مستوى الأمة، ستكون حيوية لاستئناف مسيرة المقاومة والإثخان في المحتل أكثر من غزة في حال تغيّر واقعها، ذلك أن مشاغلة الاحتلال على عدة جبهات في وقت واحد من شأنها أن تفرض معادلة جديدة على واقع فلسطين والأمة عمومًا، ولعلّ المشهد الميداني في مراحله النهائية سيتجه لهذه الحالة، ولذلك نفهم مثلاً الجزع الذي يبديه الكيان الصهيوني من إمكانية سقوط نظام الأسد وسيطرة مجاهدي سوريا على أسلحته الثقيلة، أو من التصدع في جدار الانقلاب في مصر، وهو الذي قدم للكيان خدمات أمنية جليلة بعد حصاره الدامي لغزة وتجريمه مقاومتها. مفهوم طبعاً أن حرب الأمة مع طواغيتها والعادين عليها تستنزف وقتها وتفكيرها وجهد مجاهديها، وأن الطريق إلى فلسطين لن يمر من تحت رايات الأنظمة التي حمت (إسرائيل) على مدار عقود، لكن مشاغلة هذا الكيان في ساحات عدة ينبغي أن تكون حاضرة في تفكير وتخطيط من يحملون مفاهيم تحرير الأمة أو يتطلعون إلى القدس كمحطة أخيرة لمشروعهم الجهادي التحرري، لكن الضفة الغربية (بما فيها القدس) تظلّ الساحة الأكثر حيوية وافتقارًا لنمط مقاوم يعيد لها وهج أيامها حين كان الاشتباك قاعدة في تاريخها وليس استثناء، لكن هذا يتطلب أولًا أن تعي حركات المقاومة وعلى رأسها حماس ضرورة أن يكون استثمارها الأهم في هذه الساحة هو في المقاومة وليس في أي شيء ثانوي آخر، وحينها سيصبح الاستنزاف (الحاصل في كل الأحوال) مجدياً ومغيّراً وليس مجانياً وعبثياً كما هو حاله منذ سنوات.