لكن العزلة التي تزداد كما يصفها “ناتي” لن تتوقف عند حدود معالجة الخطأ بالخطيئة بل سينعدم معها الأفق، ويتفاقم الشعور بالقلق والحيرة إزاء سياسة من طراز إسبارطي عجيب، تعالج الخوف بالهلع والذعر وتعالج العزلة بمزيد من الجدران . فالأزمات المحلية في الدولة الصهيونية لم تعد قابلة للانفراج ولو مؤقتاً من خلال التصدير أو افتعال حروب واجتياحات خصوصاً بعد أن فقدت تل أبيب ما كانت تتصور أنه بوليصة تأمين ضد الهزيمة سواء في لبنان أو غزة . لقد سعت حكومة نتنياهو الحالم بريادة ثانية للصهيونية إلى تجميل صورتها في العالم، لكنها سرعان ما عادت إلى قواعدها غير سالمة على الإطلاق، لأنها رأت بأم العين أن صورتها شائهة، وأنها باتت تقترن بآخر احتلال في عالمنا، والدول على اختلاف أنماطها قد تضطر إلى التحول إلى ثكنات لبعض الوقت ولأسباب قاهرة، لكن أن تتحول دولة بكل مكوناتها وشرائحها إلى ثكنة فذلك أمر لابد أن يوصلها إلى أفق مسدود لأنها رهينة أيديولوجيا تحكمها الخرافة، ولا تتغذى من التاريخ أو ترتكز عليه، والمفارقة أن تسليحها بسخاء والانحياز إليها بقوة، كما تفعل الولايات المتحدة قد يكون دفعاً لها إلى الوراء والتقهقر، بحيث تنتحر بما أعدته لنحر الآخرين . إن الكلام عن عزلة تل أبيب دولياً لم يعد مقتصراً على مقالة هنا أو تعليق هناك فهو الآن مناخ مبثوث في الأجواء، ومن لا يعترف بهذه العزلة صراحة يوحي بها، لأن تجاهلها لم يعد ممكناً، والدولة التي وصفها شلومو برايخ بأنها تركض من نصر عسكري إلى آخر نحو هزيمتها هي ذاتها التي تحاول معالجة الخطأ بالخطيئة .