رغم أن الممرضة سمر الخياط الخالدي اعتادت على العمل في ظل الظروف الصعبة، وتقديم المساعدة والعون لكافة المرضى والمصابين على اختلاف حالاتهم، إلا أن الجسد الطري الذي كان ينزف بين يديها كان له قصة أخرى... فهو لم يكن سوى ابنها ليث الذي لم يتجاوز السادسة عشرة عاما من عمره.
هنا تداخلت مشاعر الأمومة الطاغية مع العمل والمهنة،، شاب يافع في مقتبل العمر يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا يجد الأطباء والممرضون ومنهم والدته وسيلة إلا وعملوا عليها من أجل الحد من تدهور وضعه الصحي.. غير أن القدر كان له رأي أخر.
أكثر من عشر ساعات من العمل الدؤوب للأم إلى جانب أطباء مجمع فلسطين الطبي من أجل إنقاذ حياة ولدها، لم تفلح في ذلك، فقد أصيب برصاصة تسببت بتفتت عدد من أعضاء جسده الداخلية، ولم يكن أمامهم سوى التسليم بقضاء الله وقدره.
تقول سمر لـ"فلسطين الآن": "موقف لم أتخيل يوما أن أمر به، أن يكون أبني فلذة كبدي الذي كبر أمام ناظري مسجى بين يدي دون أي حراك.. قتلوه عن عمد.. لم يفعل شيء.. بل كان عائدا إلى البيت، فالرصاصة أصابته من الخلف، وقضت عليه".
إصابة قاتلة
ويشير ممرضون أشرفوا على حالة ليث إنهم أمدوه بأكثر من 50 وحدة دم، لكن الإصابة كانت بليغة.
واظهرت نتائج الصفة التشريحية لجثمان الشهيد الفتى وجود جرح مدخل لمقذوف ناري في منتصف الظهر على مستوى الفقرة القطنية الأولى للعمود الفقري، حيث نفذت الرصاصة من الفقرة القطنية الأولى وأصابت الوريد الأجوفي السفلي للبطن وأصابت الأمعاء والكبد، محدثة تهتكا به وخرجت الرصاصة من الجهة الأمامية اليمنى العلوية للبطن حيث تعتبر الإصابة قاتلة.
تتابع الوالدة المكلومة قصتها "ساعات صعبة جدا عشتها بين الأمل بعلاجه والخوف من موته، حاول زملائي ثني عن الدخول إلى مكانه نظرا لحالتي النفسية الصعبة، لكنني رفضت وبقيت فوق رأسه حتى فارق الحياة".
تتساءل بكل ألم "شو عمل ليث حتى يقتلوه؟؟... ليش بستخدموا رصاص متفجر؟؟ كان طخوه برجله أو إيده.. بدهم يحسروني عليه.. حسبي الله فيهم".
علاقة مميزة
في بيت العزاء حاولت نسوة التخفيف عنها ومواساتها. تقول جارتها "من يعرف سمر وفضل (زوجها أ. فضل الخالدي رئيس دائرة شئون الطلبة في جامعة بيرزيت برام الله) يدرك تماما ماذا يعني أن تكون أبا أو أما.. كانوا اصدقاء لأولادهم .. عاشوا معهم لحظة بلحظة، ولم يمنعوا عنهم شيئا".
وتتابع "تحديدا علاقة سمر بالشهيد كانت مميزة للغاية، حتى انه يشبهها في شكله.. كان مطيعا جدا.. من أجل ذلك فهي حزينة لأنها لم تساعده على البقاء حيا".
ولم تكتف سمر بوداع ليث كغيرها من أمهات الشهداء.. بل أصرت على أن يسجى على سريره في منزلهم الجديد بقرية "جفنا" القريبة من مخيم الجلزون حيث انتقلوا للسكن هناك منذ عدة سنوات.




