بثوب الموت الأبيض كبراءة قلوبهم لُفّ الأطفال الشهداء ووضعوا في ثلاجات المرطبات في مشهدٍ غريبٍ في بشاعته، وكأن تلك الثلاجات بدلًا من أن تهدي طفولتهم حلوى تسعدهم بها، أصبحت كفنًا لأجسادهم الضعيفة وهي ممزقة بظلم الحرب وإجرام الصواريخ، مشهدٌ لم تغب عنه عدسة "فلسطين الآن" فلا مشفى في المدينة المكلومة.
عامٌ كاملٌ على مجزرة مدينة رفح في الأول من أغسطس خلال العدوان الإسرائيلي عام 2014م كشفت أحداثها عجز المدينة صحيًا وطبيًا، فعشرات المصابين قضوا نحبهم وعشرات آخرين عُولجوا على الأرض في ممرات مستشفى النجار الذي تعرض للقصف وجثث الشهداء حُفظت في ثلاجات المرطبات والخضار.
صور لم تغب أيضًا من ذاكرة المواطنين الذين لم يجدوا مستشفى في مدينتهم بعد عام وبعد كل تلك المعاناة، تقرير يسلط الضوء على مشاهد العجز الصحي في مدينة رفح خلال العدوان الأخير وحاجتها لمستشفى من خلال حديث المواطنين وآرائهم، ويعرض الجهود المبذولة لتحقيق ذلك.
مشاهد العجز
محمد سحويل مسعف في الخدمات الطبية في رفح كشاهدٍ على عدوان 2014م أوضح خلال حديثه لـ"فلسطين الآن" أن أغلب الإصابات التي كانوا يسعفونها لطبيعة الصواريخ التي كان يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي ضد المواطنين والمدنيين.
وقال:" 9% من الإصابات كانت تفارق الحياة بسبب خطورتها في ظل عدم وجود إمكانيات وعدم وجود عمليات مركزة كافية، وكنا في سباق مع الزمن، وقليل من الحالات التي استطعنا إنقاذها".
وأشار سحويل أنه في مجزرة الأول من أغسطس وصل عدد الشهداء في اليوم الأول تقريبًا 140 شهيدًا، موضحًا أنه ثلاجة مستشفى النجار كانت تتسع فقط لـ20 جثة مما "ألجأنا لوضع جثث الشهداء في ثلاجات المرطبات والخضار".
ويروي بقوله: "في قصف لعائلة الحشاش كان عدد الإصابات كبير جدًا من الأطفال والنساء، فجزء منهم كان على الأسرّة وجزء منهم كان يعالج على الأرض بسبب عدم اتساع الأسرّة لهذا العدد".
آمال المواطنين
المواطن أحمد الزاملي الذي فقدت عائلته وأقاربه 21 شهيدًا خلال العدوان جُلّهم في أحداث المجزرة، أكد أن مدينة رفح بحاجة إلى مستشفى منذ 10 سنوات منذ بداية انتفاضة الأقصى، مشيرًا إلى أن مستشفى النجار كان عبارة عن عيادة طبية لا تصلح كمستشفى لعدد السكان في المدينة وكذلك الكادر الطبي بحاجة إلى زيادة وتأهيل.
وقال: "مستشفى النجار شرق المحافظة وهي منطقة حدودية معرضة للاجتياح وكان هناك استهداف لها خلال العدوان، ومستشفى الأوروبي في خانيونس يصعب الوصول إليه في الحروب والاستهدافات".
وأضاف: "أحد أقاربي مكث في العناية المركزة في مستشفى الأوروبي لمدة أسبوعين ولم نستطع الوصول إليه واستشهد متأثرًا بإصابته".
ويتابع بقوله: "يوم 1/8 كان الاتصال في العائلة صعب جدًا، الكل يتصل حتى يعرف من استشهد ومن أصيب ومن بقي حيًا، وهذا سبب قلق وذعر بين المواطنين بسبب موقع مستشفى النجار السيئ جدًا".
"رفح أمانة في أعناق المسئولين أن يوفروا لها مستشفى يليق بتضحياتها"، بهذه الكلمات ختم الزاملي حديثه، مطالبًا وزارة الصحية بالنظر بعين الرحمة لمدينة رفح "المكلومة" كما وصفها، معربًا عن تقديره لجهود جمعية أصدقاء مجمع رفح الطبي ومعتبرًا أن هذه الجهود بحاجة إلى زيادة وتوفير دعم خارجي.
ومن جانبه قال المواطن محمود أبو طه: "رفح بحاجة ماسة إلى مستشفي منذ زمن بعيد"، مضيفًا "بغض النظر عن الحملة الرائعة والتي حملت عنوان رفح بحاجة إلى مستشفى والتي أقدر جهود القائمين عليها رفح فعليا الآن دون أي مستشفى وهذا ظلم كبير لمدينة مثل رفح تعداد سكانها قارب 250 ألف نسمة".
وأشار إلى أن معاناة المواطن متزايدة لعدم توفر بعض الأقسام في مشفى النجار المتواضع والذي يعمل بالحد الأدنى من طاقته وكذلك عدم توفر الأطباء المميزين أصحاب الاستشارات ما يضطر المواطنين للخروج خارج المدينة للعلاج ويشكل عليهم تعب مضاعف.
وتابع بقوله: "كل هذه المعاناة تكون مضاعفة مئات المرات إبان أي أزمة مثل الحرب الأخيرة والتي أظهرت رفح وعجزها الصحي وضعف كوادرها".
وختم أبو طه حديثه بقوله: "رفح تحتاج مستشفى يليق بهذه المحافظة يلبي احتياجاتها يخفف معاناتها حتى لا نضطر مرة أخري لوضع شهدائنا في ثلاجات الورود والآيس كريم، نريد القوة في الطلب لأنه حق وليس منة ولأنه واجب".
جهود مبذولة
"رفح بحاجة إلى مستشفى" هي عنوان الحملة الشبابية الإعلامية التي انطلقت عقب تشكيل جمعية أصدقاء مجمع رفح الطبي من رجالات ووجهاء محافظة رفح من مختلف الأطياف، ضمن خطة إعلامية حققت نجاحًا كبيرًا عكس تفاعل الجميع وحاجتهم الماسة لهذا المطلب الإنساني.
وكان للحملة أثر بالغ في الضغط على صناع القرار حيث أعلن وزير الصحة ورئيس الوزراء عن تخصيص مبلغ 24 مليون دولار من أموال الأعمال لبناء المجمع الذي أصبح أولوية 3 بعد أن كان أولوية 19.
وأكد رئيس جمعية أصدقاء مجمع رفح الطبي جمال أبو هاشم لـ"فلسطين الآن" أن الجمعية تبذل جهودًا للتقدم بخطوات وتقصير العمر الزمني لبناء المجمع، موضحًا أنه تم اعتماد الأرض الحكومية التي كانت مخصصة للمستشفى المغربي غرب رفح على طريق البحر، وتخصيصها للمجمع.
وقال: "عقدت مسابقة هندسية لتصميم مجمع رفح الطبي، وقد شارك فيها عدد من المكاتب الهندسية والاستشارية الكبرى على مستوى محافظات القطاع وفازت ثلاثة تصاميم، وتم تكريمهم خلال حفل إفطار في رمضان، وبذلك تكون المخططات الهندسة والتصميم جاهزة".
وأشار أن هناك تواصل في الداخل والخارج ويجري إيجاد طرق لجلب تبرعات لصالح المشروع أو مشاريع طبية من الخارج بحيث يتم تنفيذها ضمن مشروع رفح، منوهًا إلى أن البنوك رفضت فتح حساب للجمعية سوى البنك الوطني الإسلامي لتسهيل التبرعات الداخلية.
وأعرب عن أمل جمعيته أن ينفذ قرار مجلس الوزراء في القريب العاجل، إلا أنها تضع نصب أعينها معوقات البدء وأهمها الحصار الإسرائيلي وتعطيل عملية الإعمار وهذا مرتبط ببناء المجمع، لكن جهود الجمعية تحاول تجاوز هذا الواقع المرير".