18.9°القدس
18.72°رام الله
17.75°الخليل
23.94°غزة
18.9° القدس
رام الله18.72°
الخليل17.75°
غزة23.94°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: سقوط الرافعة لا سجودها!

5
5
بسام ناصر

مضى أولئك الحجاج إلى ربهم وهم متلبسون بطاعات يرجى أن تكون شهادة لهم على حسن خاتمتهم، فالناس يبعثون على ما ماتوا عليه، فمن مات ملبيا ومحرما وساجدا وتاليا للقرآن في بيت الله الحرام، فتلك أمارات الصلاح وحسن الخاتمة.
في مثل هذه الحوادث المفجعة يسارع عامة المسلمين إلى استدعاء القضاء والقدر، باعتبار تلك الحوادث بعد وقوعها هي من القضاء والقدر الذي بات وقوعه محتما، فليس لأحد رده ودفعه بعد حدوثه، لكن التسليم بذلك والقبول به لا ينبغي أن يلغي جانب المحاسبة لمن تسبب في ذلك، إن كان ثمة أخطاء بشرية أفضت إلى وقوع ذلك، وكانت هي السبب في حدوث ما حدث.
حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي، كشفت عن أنساق غريبة من التفكير، وأبانت عن سقوط أصناف من الناس يغلب عليهم الاندفاع والتهور في تقييم الأمور والحكم عليها، لعل الكاتب والإعلامي السعودي حمد الماجد في تغريدة له على حسابه في «تويتر» أجاد وصف ذلك النوع من سقوط البشر.
يقول الماجد في تغريدته «سقوط رافعة الحرم أسقط صنفين: 1 من يتذرع بالقدر لنقد أية مطالبة بالتحقيق والمحاسبة. 2 ومن يستغل الحادثة لطمس إنجازات الدولة في خدمة الحرمين». فكثيرون أولئك الذين يحتجون بالقدر ويتذرعون به في وجوه من يطالبون بمحاسبة المتسببين عن وقوع تلك الحوادث، التي ينتج عنها في كل مرة موت المئات وإصابتهم، وربما إهلاك ممتلكاتهم وتدميرها كما وقع في سيول جدة وغيرها.
والصنف الثاني من الناس هم أولئك الذين يستغلون تلك الحوادث للاصطياد في الماء العكر، فتدفعهم مواقفهم الأيدلوجية والمذهبية، إلى إنكار الفضل لأهله وأصحابه، وتراهم يظهرون شماتتهم بفواجع إخوانهم المسلمين ومصائبهم، وتلك صفة ذميمة قبيحة لا تليق بأهل الإسلام والإيمان {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا..}.
لكن ثمة نمطا غريبا من التفكير ظهر في تعليقات بعض المعلقين على الحادثة، وصفوا فيه سقوط الرافعة بالسجود والخشوع لذكر الله، يقول أحدهم «هي رافعة خشعت لذكر الله تجريه الشفاه الساجعة، سقطت لعمر الله لا لكنها أحنت لترفع كل روح خاشعة» وعبر آخر قائلا «عجبي لرافعة رأت من حولها** تلويحة البشرى فخرت ساجدة. طوبى لمن حازوا الشهادة تحتها** فمضوا معا لله روحا صاعدة». وقال ثالث «لبت نداء الله حين تساقطت** بين الحجيج ليرتقوا نحو السماء. يا رُبّ رافعة على الحرم انحنت** في سجدة تسبيحها طهر الدماء».
تلك الكلمات الشعرية الهائمة فتحت الباب على مصراعيه لكل المتربصين من اللادينين والمخاصمين للدين، لاستغلالها ومهاجمة المتدينين بسببها، وقد أكثروا في تغريداتهم من التندر بتلك المواقف وإزدراء طريقة تفكير أصحابها، وأوغلوا في نقد أنماط التدين التي تنتج مثل هذا الكلام وتلك المقولات.
لعل تلك الكلمات من تهويمات الشعراء، فهم كما وصفهم القرآن «في كل واد يهيمون» إلا من استثناهم منهم، لكن لا يخفى أن ثمة موجهات ورؤى ثاوية وراء تلك الكلمات، صاغتها أنساق التدين الشعبي، تخلط بين مفهوم القضاء والقدر، ونفاذه في الخلق، وبين مسؤولية البشر عن أفعالهم، وتجنح إلى التذرع بالقدر لإعفاء المخطئين من أخطائهم، وتعظيم شأن ولي الأمر والاستماتة في الدفاع عنه، والتوسع في صور التبرير وتسويغ ما لا يمكن تسويغه بحال.
على إثر حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي، ارتفعت الأصوات مطالبة بالتحقيق فيما حدث، وهو ما أعلن عنه العاهل السعودي، بعد زيارته التفقدية لموقع سقوط الرافعة، لكن يتناسى كثير من الناس أن ثقافة المحاسبة ليست واردة في عالمنا العربي، وهي أبعد ما تكون عن سلوك الحكومات والرسميين.
تقارير لجان التحقيق تعرف طريقها في كل مرة، فغالبا ما تطوى ملفاتها ويلقى بها في أضابير الأرشيفات، لسنا بالتأكيد كتلك الدول التي يسارع فيها الوزير أو المسؤول إلى تقديم استقالته نتيجة إهمال وأخطاء وقعت ضمن إطار وزارته، بلا تحقيقات ولا ما يحزنون، فتلك أمم حية، وشعوبها تملك إراداتها، ولها كلمتها في اختيار من يحكمها ابتداء، ومحاسبته إن أخطأ في أدائه أو قصر في مسؤولياته.
الرافعة سقطت ولم تسجد، ولم يكن خرورها خشوعا لذكر الله، وإنما لأسباب يحددها المعنيون من أهل الاختصاص، وإلا فما الذي منع الرافعات الأخريات من السجود والخرور من أثر الخشوع لذكر الله، كأختهن التي نتج عن سقوطها المدوي وفاة (107) و(238) جريحا، ألم يكنّ معها في عين المكان، أم أنهن عاصيات (وقد يكن ليبراليات) على رأي الشيخ عادل الكلباني؟.