16.66°القدس
15.46°رام الله
15.53°الخليل
19.75°غزة
16.66° القدس
رام الله15.46°
الخليل15.53°
غزة19.75°
الأربعاء 13 نوفمبر 2024
4.82جنيه إسترليني
5.29دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.75دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.82
دينار أردني5.29
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.75

ثورة القدس.. امتداد للحالة الثورية الأولى (انتفاضة الحجارة)

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

(1)
لم يكن ميلاد الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في أواخر عام 1987 إلا إيذاناً بأن الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل لم يعد يعول في استخلاص حريته وتقرير حق مصيره على أي قوى خارجية، أياً كانت هذه الجهة أو تحت أي عنوان تأتي سواء كان ذلك العنوان دوليا أم قوميا، أو حتى لو كان تحت مظلة التحرير الوطني..

فهي حالة ثورية انطلقت لتعبر عن يأس الداخل المحتل من كل هذه العناوين الخارجية في إنجاز حريتنا ونحن نسدد فواتير الجرائم التي يمارسها الاحتلال، ولا سيما أن أكثر العناوين التي راهن عليها الداخل لم ترسخ عبر مسيرتها إلا الفرقة والتشرذم في الوقت الذي عمقت الاحتلال بجهل منها أو عبر ما قدمته للاحتلال من جولة انتصارات مجانية بلا أي مقابل سياسي غير مزيد من العلو الصهيوني.

نعم، جاءت الانتفاضة الشعبية في حلتها الأولى (انتفاضة الحجارة) بعدما أسقطت القضية الفلسطينية من جدول أعمال آخر قمة عربية، وقد انفرط العقد الفلسطيني في معناه السياسي الجامع، وأخرجت القوات الفلسطينية من دول ما سمي بالطوق، وتشتتت قوات التحرير في عواصم بعيدة، حتى بلغت الفرقة مبلغا كبيرا بين مكونات الكل الفلسطيني، فأصبح الكثير من الفصائل تلك تعمل كأذرع ضاربة لصالح أنظمة عربية متضاربة المصالح..، ودخلت في معارك ضارية فيما بينها نتيجة لاختلاف الولاءات، وتبدلت الأولويات لديها فلم يكن لدى الكثير منها التحرير في أجندتها..

في أزمة هذا الواقع الذي بدت فيه كل عوامل الضعف والتشتت العربي الذي انعكس بشكل قوي في بنية النظام الفلسطيني عبر إطاره الرسمي (م. ت. ف)، في مقابل مكان قد بلغه الكيان الصهيوني من الشعور بالذروة في النشوة بعدما راكمه من إنجازات في أكثر من صعيد، وقد أذعنت أمام عنجهيته عواصم عربية كبيرة، وأصبحت ذراعه الطولى تضرب بلا حساب أو رقيب عواصم عربية في الشرق والغرب، غير ما تقوم به عصابات الموساد القاتلة من بطش بكل من يشكك في شرعية الكيان أو بحقيقة ما يزعمه من أساطير يتستر بها في اغتصاب أرضنا الفلسطينية..

(2)
نعم، في ظل هذا الواقع كانت انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية في نسختها الأولى وهي فقط من وضعت- ولأول مرة- الكيان العبري على المحك.. كيف لا؟ 

والشعب الفلسطيني الذي أمعن الاحتلال في إذلاله وتشويه ثقافته، وجعل منه طوابير تصطف مع فجر كل يوم تتوافد في بناء سلطانه على أنقاض منازلهم هو من يقود ثورته ويحقق النقاط في صالحه..!
فإنه لم يكن أمراً مصدقاً.. وإنه لا يوجد أي مبرر معيشي لهؤلاء ليشعلوها ثورة تنتشر في كل المدن والقرى الفلسطينية كانتشار النار في الهشيم، وهم من تربوا في قلب التنين، ولكن مع كل يوم كانت تستمر فيه هذه الانتفاضة، كان يزداد الغموض المكتنف لهذه الحالة الثورية الشعبية التي لم تجد في قواعد علم الاجتماع السياسي ما يمكن أن يبرر ميلاد تلك الحالة الفريدة من جملة مفردات واقعها الأليم.. غير أن الحرية والانعتاق من عبودية الاحتلال كفيلة أن تجعل من هذا الشعب المؤمن بركان غضب يتفجر باستمرار..!
ومع ازدياد الغموض المشكل لهذه الحالة الفريدة، كان الإرباك علامة بارزة لسلطات الاحتلال التي لم تدخر جهداً في قمع الحالة الثورية الشعبية، ولكن مع كل بطش يطالها كانت تتعزز أكثر وتزداد قوة، حتى وصل الأمر أن تهدد الكيان في جوهر حقيقته عندما بدأت تطال يد المقاومين المستوطنات الكبرى في القدس وتل الربيع وحيفا والعفولة والخضيرة.. وتضرب بقوة البؤر الاستيطانية في قطاع غزة والضفة الغربية.

فما إن بدأت الانتفاضة تقطع عامها الأول والثاني والثالث والرابع.. وهكذا حتى عامها السادس والسابع وهي تحدث ذاتها وفي تطوير مستمر لأدواتها..

(3)
وأمام هذا الواقع المعقد الذي كرسته الحالة الثورية الفلسطينية في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني، كان لا بد أن تتداعى الدول الاستعمارية المُنشئة لهذا الكيان، لتدفع باتجاه البحث عن حلول ترقيعية مستفيدة من الحالة التي كانت تمر بها المنطقة العربية بعد حرب الخليج الأولى، وأزمة البقاء التي كانت تواجه (م. ت. ف)، وقد تجاوزتها الأحداث على الصعيد الميداني وكذلك تم تجاوزها على الصعيد الدبلوماسي عندما تم تشكيل الوفد المفاوض لحضور مؤتمر مدريد من الداخل تحت مظلة الوفد الأردني.

وهنا اندفعت شخصيات كامنة لم تكن تؤمن يوماً بالثورة في أي من أشكالها؛ لتفتح منافذ سرية وملتوية لتقدم عروضاً مغرية عبر الوسطاء لصالح الكيان الذي لم يخفِ حجم انبهاره بها، وتشككه في أن تكون ثمة جهة فلسطينية وطنية تقدم مثل تلك العروض..!

كل ذلك كان في سبيل اعتماد هذه الشخصيات كطرف معتمد للحل السياسي، العودة لاحتكار التمثيل الرسمي للشعب الفلسطيني..، والغريب أن ذلك كان يتم بعيداً عن أي إجراءات رسمية من مؤسسات صناعة القرار في (م. ت. ت).

وقد تفاجأ العالم في سبتمبر 93 بتوقيع مبادئ اتفاق سياسي مرحلي (تفاهمات أوسلو)، بل كان مُفاجئا للوفد الفلسطيني نفسه الذي كان يفاوض في واشنطن بهذه الاتفاقية وبمستوى ما قبلت به..
وهنا كانت الضربة المؤلمة في مسيرة الانتفاضة الفلسطينية وقد قدمت تضحيات كبيرة وحققت إنجازات ميدانية مشهودة، فأتت هذه الاتفاقية (أوسلو) دون أدنى التطلعات وسوقت على أنها مرحلية وقنطرة لتنقل الشعب من الاحتلال إلى الاستقلال عبر ما سمي حكما ذاتيا محدودا في ثوب متهالك لسلطة لا تمتلك أدنى درجات السيادة والاستقلال..
(4)

وعندما فهم الرئيس ياسر عرفات الخديعة، وأن دولة الاحتلال ستؤبد المؤقت في جوهره، بعيداً عن حق تقرير المصير في حدود دولة فلسطينية قابلة للحياة، رجع من فوره إلى مركز ثقل الثورة في غزة مصارحاً الشعب بهذه الخديعة؛ فاندفعت الجماهير لتحتضن ثورتها الأولى وتواصل المسير في حلة ثورية بثوبها الجديد (انتفاضة الأقصى) التي أرغمت أنف الاحتلال بعد خمس سنوات من تفكيك البؤر الاستيطانية في القطاع، ولولا سقوط السلطة في رام الله في التنسيق الأمني لما استطاعت دولة الكيان الاستمرار في مواجهة الحالة الثورية في الضفة الغربية.

فاستمرت المقاومة في غزة تراكم قوتها، وتزيد من فاعليتها بعد جولات مواجهة مع الاحتلال، كان أكبرها الحروب الثلاث التي سطرت فيها المقاومة أبلغ آيات البطولة والفداء، ولم تستطع دولة الكيان غير تسجيل مزيد من الجرائم في سجلها الذي لن تغفره الإنسانية جمعاء.

في حين كانت يد الاستيطان في الضفة تسابق الزمن في تغيير معالم الجغرافية، وتعبث في الديمغرافية بشكل يستحيل معه إقامة دولة في هذا الإقليم، حتى وصل الأمر بالتهويد الكامل لكل المدينة المقدسة ووصل العبث إلى أقدس المعالم الدينية الإسلامية في فلسطين.

كل ذلك وأقطاب السلطة لم يعد أقصى طموحٍ لهم غير الحفاظ على الامتيازات الخاصة والتسهيلات التي تمكنها للمرور عبر البوابات والحواجز التي تفصل بين المحافظات والقرى والبلدات.. حتى أصبح الحفاظ على عار (التنسيق الأمني) مقدساً كما جاء على لسان رأس النظام السياسي للسلطة التي لم تشكل أدنى درجات الحماية للشعب الفلسطيني من جرائم قطعان المستوطنين بعد حرق عائلة الدوابشة..!

(5)
وهنا، يكون الشعب الفلسطيني قد أعذر نفسه أمام كثبان الوعود الكاذبة عبر مسيرة استمرت اثنتين وعشرين سنة لم تكرس إلا الفرقة التي استفاد منها الاحتلال كثيرًا في مراكمة إجراءاته الاحتلالية، فكان يجب أن يأخذ قراره مرة أخرى ويتولى زمام المبادرة مرة أخرى فينطلق في ثورته هذه في حلتها الجديدة (انتفاضة القدس) كامتداد حقيقي للحالة الثورية الأولى (انتفاضة الحجارة) التي انطلقت بإرادة شعبية؛ لإنجاز التحرير الكامل وانتزاع الحق في تقرير المصير.. دون الارتهان لأي جهات خارجية.