21.68°القدس
21.44°رام الله
20.53°الخليل
21.09°غزة
21.68° القدس
رام الله21.44°
الخليل20.53°
غزة21.09°
السبت 10 مايو 2025
4.72جنيه إسترليني
4.99دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.99يورو
3.54دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.72
دينار أردني4.99
جنيه مصري0.07
يورو3.99
دولار أمريكي3.54

أمل أبو عاصي

أنا و "الكعب العالي"

350
350
غزة - فلسطين الآن

كالكثير من الصغيرات.. كنتُ أعشق لبس أحذية أمي ذات الكعب العالي، أدسّ قدمي الصغيرة داخلها ثم أسير " طق طق " جيئة وذهابًا نزولا وصعودًا، أتنقّل بين ألوانها كما تنتقل الفراشة بين زهور الحدائق...

بيت جدتي حافلٌ بالضّيوف، ترافقهنّ صغيراتٌ في مثل سنّي، وأنا أتبختر بالكعب العالي وبتسريحة شعري التي استحدثتها أختي الكبيرة، نازعَتني إحدى الصغيرات على حذاء أمي الذي كنت أنتعله، كلٌّ منا تمسك بتلابيب الحذاء من جهة، وتحاشيًا لإثارة امتعاظ الضيوف سحبت أمي المسالمة الحذاء من يدي وأعطته للضيفة الصغيرة، أرضتني بكلمات لطيفات، ثم طلبت مني الصعود إلى منزلنا.

صعدت وأنا أضجّ قهرًا..

إنه حذاء أمي، أمي أنا، وأنا التي كنت أنتعله، إذن فهو ملكي، فكيف تحتلّ ضيفة ملكيّتي ؟ إنّه احتلال !

لا بدّ أن أنتقم، وبذات الوسيلة..

حِكت الخطّة بمهارة، فكرت كثيرًا، دبّرت ورسمت، ثم بدأ التنفيذ ..

يقع منزلنا في الطابق الثاني، يطل أحد شبابيكه على منطقة مكشوفة من منزل جدتي خصَّصَتها للصغار، بهدوء وحذرٍ أحضرتُ حذاء أمي الأسود المزيّن بكعبه العالي الرفيع، لطالما أعجبني صوت "طقطقته"، لكأنه صوت برَدٍ تقرعُ حبيباتُه زجاج قلبي، أمسكته بيميني، اختلست النظر، راقبت، دقّقت، انتظرت الفرصة المناسبة، هي هي، نعم، اقتربي أكثر، لا، يمينا يا فتاة، هنا، نعم، نعم، هنا، هنا، الضربة القاضية ...

انقضضتُ على الفريسة، رميت الحذاء مباشرة على الصغيرة التي احتلّت ملكيّتي "الله أكبر" !

مع هبوط الحذاء شعرت بسعادة وارتياح كبيرين لانتقامي، لكأنّها لذّة النصر، لكنّ هذا الشعور زال مباشرة مع أول نقطة دم رأيتها سالت من رأسها ..

تبا لي !! ما الذي فعلته !! يا إلهي !!

غطّى الدم وجهها وغطّت الدموع وجهي..

كانت تبكي مني، وكنت أبكي عليها..

سحبوها إلى المشفى، تمّ قطب الجرح بـ 3 غرز، وبقيتُ أنا المجرمة المتنكّرة التي لم يرها أحد مختبئة في منزلنا.

حلّ المساء، صعدت أمي إلينا، وما إن دخلت المنزل حتى ارتميت بين ذراعيها وبكيت، اعترفتُ لها بجريمتي، وتأسفت، وبعدما هدّأتني طلبتُ منها أن نزور الضحية ونعتذر إليها، ولم أنْسَ أن أقضي ليلتي بالاستغفار.

بعد أيّامٍ قليلة فقط.. اصطدم رأسي بباب منزلنا الحديدي الثقيل في ذات الجهة التي تلقّت فيها الصغيرة ضربتي القاضية !

***

تعلّمت:

* الظلم سهمٌ، وروح المظلوم سطحٌ ارتدادي، فإن ظلمت سيرتدّ إليك سهم ظلمك.

* لا عليك.. أخطئ، لكن تعلّم من خطئك، اعتذر، وإياك أن تعالج الخطأ بالخطأ.

* الملكيّة حق، والاعتداء عليها انتهاك لهذا الحق، فإن فعلت فلن تجد إلا "الكعب العالي".

* لكل سؤال جواب، ولكل منزل باب، ولكل ذنب عقاب.