20.55°القدس
20.3°رام الله
19.42°الخليل
24.88°غزة
20.55° القدس
رام الله20.3°
الخليل19.42°
غزة24.88°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

القدس بين وعدي بلفور وكيري ووعد الله (1-2)

كمال الخطيب
كمال الخطيب
كمال الخطيب

يوم غد (2/11) سيكون الذكرى الـ98 للوعد المشؤوم وعد بلفور، الذي صدر في عام 1917م من وزير الخارجية البريطاني، وبموجبه أعطى وعدًا لليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين تحت مُسمى "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ولقد استغل وزير الخارجية البريطاني يومها مجريات الحرب العالمية الأولى وموقف الدولة العثمانية الضعيف، ليسجل له ذلك الموقف، ولليهود ذلك الإنجاز، وللفلسطينيين تلك الطعنة الغادرة. 

بعد عامين من ذلك الوعد أي في عام 1919م دخلت القوات البريطانية إلى القدس بقيادة الجنرال ألّنبي، الذي قال يوم دخل القدس جملته المشهورة: "الآن انتهت الحروب الصليبية"، في إشارة واضحة إلى حقد دفين في صدره وثارات عمرها قريب من 800 عام، يوم مرّغ البطل الفاتح صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله تعالى) في تراب حطين أنف "ريتشارد" قلب الأسد ملك بريطانيا، وغيره من ملوك وأمراء أوروبا.

يتزامن ذكرى وعد "بلفور" وزير خارجية بريطانيا، ووعد "جون كيري" وزير خارجية أمريكا الذي جاء على لسان "نتنياهو"، الذي صرح أنه وعده بالسماح للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى المبارك، ووعده بأن اليهود سيستمرون في "زيارة" المسجد دون الصلاة فيه، إنه مسلسل الوعود مازال مستمرًا، والحقيقة أن المشكلة ليست في "بلفور" يومها، ولا في "كيري" اليوم، وإنما هي في الذين يثقون بهم ويصدقونهم. 

لقد كان وعد "بلفور" هدية ثمينة لليهود، ولكن وعد "كيري" هو أثمن، ففيما أعلن من اتفاق بين "كيري" و"نتنياهو"، وباركته بعض الأطراف العربية إقرار بسيادة الاحتلال على الأقصى، وأنه هو صاحب الحق بالسماح بالدخول والصلاة في المسجد الأقصى أو المنع، مع العلم أنه حتى عام 2000م أي قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى كانت دائرة الأوقاف الأردنية هي من تعطي الإذن بالدخول إلى الأقصى لغير المسلمين لا سلطات الاحتلال، وفي وعد "كيري" الأمر أصبح عكسيًّا، فالاحتلال هو من يسمح للمسلمين ومن يعطي الحق بالسماح، وبذلك يكون قد أخذ الحق بالمنع والحرمان، إنها المشاركة في إدارة المسجد الأقصى، بمباركة بعض الأطراف العربية.

ثم إن "الزيارة" لليهود بموجب الوعد ستستمر، إنه يسميها "زيارة" ولا يسميها اقتحامات وانتهاكات وتدنيسًا، وهي التي تحت لافتتها تدخل قوات الاحتلال لحماية "الزائرين"، ولضمان عدم إزعاجهم؛ ليكون تجريم كل صوت تكبير أو تهليل ينبعث من جنبات المسجد الأقصى، ثم هي الكاميرات بموجب الوعد ستكون شاهدة على أن المسلمين في ساحات المسجد هم من نقضوا العهد ولم يوفوا بالوعد، وهم من عكروا مزاج "الزائرين".

لا أتردد في القول: إن وعد "كيري" للفلسطينيين بأن "نتنياهو" سيسمح لهم بالصلاة في الأقصى، ومباركة بعض الأطراف العربية لهذا الوعد هو الوقوع في الفخ، كيف لا و"نتنياهو" استطاع انتزاع اعتراف عربي وفلسطيني بأنه هو صاحب السيادة على المسجد الأقصى، ما يتنافى هو وما كان يقال دائمًا من أن السيادة هي للأردن صاحبة الحق بالوصاية.

إن توقيت وعد "كيري" قد جاء لإجهاض هبة القدس، التي انطلقت دفاعًا عن المسجد الأقصى المبارك، وإن في إجهاض الهبة والانتفاضة فائدة لـ"نتنياهو"، إذ المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة الإرباك والخوف والهستيريا بسبب موجة الطعن، ثم هي فائدة ومصلحة لأبي مازن، الذي يعلم مقدار الغضب العارم في الشارع الفلسطيني على سياساته، وعلى التنسيق الأمني، وعلى فشل "أوسلو"، وانسداد أي أفق لحل سياسي سلمي وفق نصوص "أوسلو".

ولخوف أبي مازن من هذه الانتفاضة رأينا إصراره وإصرار أجهزته الأمنية على قمع كل نشاط في مواجهة الاحتلال، واعتقال المئات من النشطاء في الضفة، وتشغيل ماكينته الإعلامية والسياسية والمالية للتأثير على بعض القيادات في الداخل الفلسطيني؛ للمساهمة في إخماد جذوة الحراك الفلسطيني في الداخل انتصارًا للقدس والأقصى. 

لقد أصدر أبو مازن مهندس اتفاقية "أوسلو" كتابه الشهير "طريق أوسلو"، يروي فيه تفاصيل المفاوضات السرية بينه وبين الإسرائيليين، وها هي 22 سنة تمر منذ 13/9/1993م يوم توقيع الاتفاقية في واشنطن، وما زلنا نسير في طريق "أوسلو"، دون أن نرى نهاية للطريق، لا بل لعلنا نقول له: إن الطريق مغلق "يا ريّس"، إنه طريق في اتجاه واحد، طريق سلب حقوق الفلسطينيين، واستمرار مصادرة أراضيهم، وجعلهم شركات للحراسة تعمل عند جيش الاحتلال وفق نظرية التنسيق الأمني، مع العلم أن طريق "أوسلو" _وفق الأوراق الموقعة_ كان ينص على إقامة دولة فلسطينية خلال خمس سنوات من يوم الاتفاق.

الغريب واللافت أن أبا مازن ما زال يصدق وعود "كيري" ومن سبقوه من وزراء خارجية أمريكا، وما زال يتحدث بنصوص أوهام "أوسلو"، وكأن "أوسلو" حية ترزق، في حين الجانب الإسرائيلي يتعامل معها على أنها شُيعت إلى مثواها الأخير، وأنها أصبحت في ذمة التاريخ، وهل أدل على ذلك من تصريح "يوسي بيلين" نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، وأحد مهندسي "أوسلو"، الذي طلب من أبي مازن التوقف عن كل هذه المهزلة، وعدم تصديق ما يقوله "نتنياهو"، وأن "أوسلو" قد فشلت وماتت؟