20.55°القدس
20.3°رام الله
19.42°الخليل
24.88°غزة
20.55° القدس
رام الله20.3°
الخليل19.42°
غزة24.88°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

أولى ثمار الانتفاضة ونهاية التقسيم الزماني للمسجد الأقصى

علاء الدين البطة
علاء الدين البطة
علاء الدين البطة

للأسبوع الخامس على التوالي تستمر انتفاضة القدس، التي انطلقت بداية شهر أكتوبر الماضي مستخدمة أساليب المقاومة "البدائية" الأولى، التي كانت عنوان الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأولى في الثامن من ديسمبر 1987م.

هذه الانتفاضة المباركة تسير في منحى تصاعدي يزداد يومًا بعد يوم، ويلحق به كل أطياف الشعب الفلسطيني من أبناء وفصائل العمل الوطني كافة، من الرجال والنساء وطلاب المدارس.

ولعلنا من المهم أن نتفق جميعًا أن هذه الانتفاضة محصلة لحالة الفشل الكامل والذريع لجهود السلطة الفلسطينية في عملية "السلام" المنتظر الموعود منذ أكثر من عشرين عامًا، فضلًا عن فشل وعود المجتمع الدولي والرباعية الدولية في تحقيق "السلام" والتنمية والرفاهية للفلسطينيين، وعدم قدرتهم على إلزام الاحتلال بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م حسب قرارات الأمم المتحدة.
وكان آخر هذه العنجهية الإسرائيلية التلاعب والعبث بأقدس المقدسات لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ألا وهو المسجد الأقصى المبارك. 

فعلى صعيد مدينة القدس شهدت الأعوام الخمسة الأخيرة إجراءات احتلالية إسرائيلية مشددة وقاسية تجاه المدينة وسكانها الفلسطينيين، عملت جاهدة على تهويد المدينة المقدسة بكل الطرق والأساليب: 
تغيير الأسماء العربية، وتزييف المناهج الفلسطينية، والتضييق على الشخصيات المقدسية ومنعهم من دخول المسجد الأقصى، وهدم بيوت المقدسيين، وإجبارهم على دفع ثمن هدم بيوتهم، وإقامة الكتل الاستيطانية في شرقي القدس المحتلة لإحداث تغيير ديمغرافي لمصلحة الاحتلال واستهداف المقدسيين بمصادرة هوياتهم واعتقالهم، وطردهم وإبعادهم عن المدينة المقدسة، ومنعهم من بناء بيوت جديدة وفرض رسوم كبيرة وباهظة عليهم عند ترميم منازلهم، ومحاربتهم في لقمة عيشهم، وفرض الضرائب الباهظة عليهم.
أما على صعيد المسجد الأقصى قلب مدينة القدس الذي يقتحم شبه يومي؛ فشهدت الأعوام الأخيرة عدوانًا وانتهاكًا غير مسبوقين في التاريخ الحديث، إذ ارتفع معدل الاقتحامات الشهرية من 800 اقتحام خلال أشهر عام 2013م ليصل إلى ما يزيد على 1250 اقتحامًا شهريًّا خلال العام الجاري 2015م.

وهذا ما يأتي ضمن محاولات الاحتلال لفرض سيطرته على المسجد الأقصى المحتل منذ عام 1967م، وتنفيذ الأفكار المبرمجة والمساعي المتواصلة التي ازدادت بعد عام 2000م، وكانت تنادي بضرورة تحويل هذا الاقتحام إلى إطار التقسيم الزماني والمكاني مع المسلمين، ثم تطورت هذه الأفكار إلى مسودة قانون إسرائيلي طرحت عام 2012م في البرلمان الإسرائيلي، وكان ينص على تخصيص وقت محدد للمسلمين للصلاة في الأقصى، ووقت محدد كذلك لليهود ليقوموا بصلواتهم وطقوسهم، أي بالطريقة نفسها التي فرضها الاحتلال في المسجد الإبراهيمي بالخليل، وانتهت بسيطرة اليهود على 60% من المكان، والمسلمين على 40%، والهدف من ذلك كله هو تهيئة الأجواء لبناء الهيكل اليهودي المزعوم مكان قبة الصخرة المشرفة.


عام 2015م كان بالفعل هو العام الأشد سوءًا والأكثر اقتحامًا للمسجد الأقصى، إذ ترجم الحديث الإسرائيلي العلني عن التقاسم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى إلى فعل، بل إننا وجدنا تقسيمًا زمانيًّا بدأ تنفيذه بالاقتحام الصباحي اليومي لليمين المتطرف الإسرائيلي للمسجد الأقصى، حتى باتت مشاهد الاقتحام اليومي له وأداء الطقوس التلمودية فيه خبرًا عاديًّا في الإعلام العربي، ولدى الساسة العرب والمسلمين والمجتمع الدولي.

فضلًا عن الاعتداءات المتكررة على المرابطين وطلاب مصاطب العلم واعتقالهم وإبعادهم عن المسجد الأقصى، وفرض الضرائب الباهظة عليهم، وإغلاق المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه يومًا كاملًا أول مرة في التاريخ الحديث، وعدم السماح لأحد بالدخول إليه، وحرق سجاده وكسر نوافذه، الأمر الذي عده المراقبون مؤشرًا يبعث على الخوف والوجل من المكائد التي يخطط لها بليل ضد المسجد الأقصى.

لذلك يمكن القول: إن من أهم محركات هذه الانتفاضة الاستهانة الإسرائيلية المستمرة بالمقدسات، والعمل اليومي المنظم على تكريس هذه الانتهاكات بانتظار تحقيق حلم اليمين الإسرائيلي بتقسيم الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا. 

إلا أننا بفضل الله أولًا، ثم هذه الانتفاضة المباركة التي عنوانها الرئيس "ثورة الدهس بالسيارات وثورة الطعن بالسكاكين"، وهذه الدماء الزكية الطاهرة والصدور النازفة وضعنا حـدًّا _ولو مؤقتًا_ لإسطورة التقسيم الإسرائيلي في بعديه للمسجد الأقصى، بعد أن فشلت الجهود الرسمية كافة في وقف هذا الجنون المتمثل بالعبث في قضية من أقدس القضايا لدى العرب والمسلمين، وهنا ممكن أن نتوقف عند بعض الشواهد التي تدعم بل تؤكد هذا التوجه:
1- إصدار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرارًا مفاجئًا في 8/10/2015م بعد أسبوع من اندلاع الانتفاضة بـ"منع الوزراء الإسرائيليين وأعضاء البرلمان الإسرائيلي كافة من زيارة المسجد الأقصى"، مع العلم أن هؤلاء الساسة كانوا يشكلون الدعم والغطاء الرسمي المستمر لعمليات الاقتحام اليومي للأقصى.

2- إصدار 120 من كبار الحاخامات الإسرائيليين فتوى دينية بتحريم "زيارة" اليهود إلى المسجد الأقصى وإقامة الشعائر التلمودية فيه، مع العلم أن فتاوى سابقة للحاخامات اليهود كانت تدعو اليهود لمواصلة الاقتحام اليومي بمنحهم الغطاء الشرعي الديني، مع "وعد بالغفران" لكل من يقتحم باحات المسجد الأقصى ويُقيم فيه صلواتهم.

3- تحدث استطلاعات رأي لدى مراكز البحث الإسرائيلية عن أن 70 % من الإسرائيليين يؤيدون الانسحاب الإسرائيلي من شرقي القدس، وهذا يحدث أول مرة في التاريخ؛ فكنا نجد في استطلاعات سابقة أن النسبة التي تؤيد الانسحاب من القدس لا تزيد على 20% في السنوات السابقة، وهذا لا ينفي أن تكون هذه الاستطلاعات موجهة.

4- أنه في أول مرة منذ عدة أعوام يسمح لجميع الفلسطينيين من الأعمار كافة بالصلاة في المسجد الأقصى يوم الجمعة، مع العلم أنه تحرم فئات عديدة من الدخول للصلاة في يوم الجمعة، وتحديدًا فئة الشباب.
بكل الأحوال يمكن القول: إن هذه الانتفاضة وضعت حدًّا _ولو مؤقتًا_ لأحلام التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، عجزت عن وضعه السلطة الفلسطينية في مفاوضاتها العبثية خلال عشرين عامًا، وكذلك الموقف الرسمي العربي مع بيانات الشجب والاستنكار الشديد.

ولكن مطلوب أن نستمر في حماية وتوفير الحاضنة لهذه الانتفاضة؛ حتى تتمكن من الاستمرار، وممارسة مزيد من الضغط على الاحتلال حتى الإسقاط الكامل لخيار تقسيم المسجد الأقصى، وأية خيارات يأتي بها جون كيرى أو غيره، في مقدمة حقيقية لتحقيق الكثير من الإنجازات السياسية التي عجز الساسة عنها.