19.38°القدس
19.12°رام الله
17.75°الخليل
24.37°غزة
19.38° القدس
رام الله19.12°
الخليل17.75°
غزة24.37°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

بوادر افتراق أردني – فلسطيني

نقولا ناصر
نقولا ناصر
نقولا ناصر

لقد أبدى الجانبان الأردني والفلسطيني حرصًا كبيرًا على سرعة احتواء ما بدا أنه اختلافات بين عمّان ورام الله حول اتفاق "كاميرات الأقصى" الأخير بين الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

لكن "ليس سرًّا أن العلاقات الأردنية الفلسطينية ليست في أحسن حالاتها" كما كتب المحلل الأردني عريب الرنتاوي الأربعاء الماضي, مضيفًا أن "قنوات التنسيق والتشاور بين الجانبين لم تكن سالكة تمامًا خلال العام الأخير"، ما قاد إلى خروج "تفاهمات كيري" حول كاميرات الأقصى "إلى فضاء الإعلام".

وما وصفته "القدس العربي" الإثنين الماضي, بـ"خلاف صامت" و"تباعد في المواقف" بين الجانبين يشير إلى بوادر افتراق تكتيكي من المتوقع أن يتحول إلى افتراق استراتيجي حول "عملية السلام" ومفاوضاتها.
ولأن استئناف مفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة الاحتلال برعاية أميركية أحادية أو برعاية أممية متعددة الأطراف ليس متوقعًا في المدى المنظور فإن الافتراق بين الجانبين مرشح للاتساع.

لقد أبدى الجانبان حرصًا متبادلًا على احتواء ردود الفعل الفلسطينية السلبية على "اتفاق كاميرات الأقصى"، فوزير الخارجية الأردني ناصر جودة استنكف عن الرد على تصريحات نظيره الفلسطيني رياض المالكي بأن الاتفاق كان "فخًا إضافيًّا سيستخدم لاعتقال الفلسطينيين بحجج التحريض"، بالرغم من استفزازات صحفية لجودة تحثه على سرعة الرد.

ثم أدلى المالكي بتصريحات لاحقة قال فيها: إن "الأردن تعمل باسمنا جميعًا" وإن "الحكومة الفلسطينية تعول كثيرًا على الدعم الذي تحصل عليه من الدول الشقيقة وتحديدًا المملكة الأردنية الهاشمية" وأشاد بـ"الدور الأردني المميز في حماية المقدسات وتحديدًا المسجد الأقصى".

وأصدرت الخارجية الفلسطينية بعدها بيانًا عن "الفهم المغلوط" لتصريحات المالكي عن "الفخ" و"حرفها عن مقاصدها الحقيقية", ليؤكد البيان أن المالكي "يثق كل الثقة بالأشقاء في الأردن" وعلى أن "تكون الجهة المسؤولة" عن "إدارة الكاميرات والإشراف على مخرجاتها محصورة بالجانب الأردني".

غير أن التحفظات الفلسطينية المستمرة على الاتفاق تشير إلى اختلافات تتسع شقتها، وسط شبه إجماع فلسطيني يتجاوز الانقسام الداخلي على رفض الاتفاق أو التحفظ عليه.

فاتفاق الكاميرات أولًا، من وجهة نظر فلسطينية، يبدو كاتفاق يحول دون الفلسطينيين واستثمار انتهاكات دولة الاحتلال في الأقصى رافعة لتصعيد مقاومة الاحتلال، بالفصل بين قضية الأقصى وقضية الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويبدو اتفاقًا يستهدف نزع فتيل صاعق الأقصى الذي فجر موجة المقاومة الشعبية الحالية ووحدها في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ولم تخفِ دولة الاحتلال ولا الوسيط الأميركي أن الاتفاق يستهدف احتواء هذه الموجة حتى "تهدئتها".

والاتفاق ثانيًا، كـ"ترتيب خاص من أجل ضمان وحماية الوضع التاريخي للمسجد الأقصى"، كما قالت الخارجية الفلسطينية في بيان لها الأحد الماضي، "يجب أن يكون الشعب الفلسطيني وقيادته جزءًا أساسيًّا منه"، محذرة من "أن أي تجاهل للدور الفلسطيني الفاعل والرئيس والمباشر يضعف إمكانية نجاح أي اتفاق مهما كانت إيجابياته".

ومن الواضح أنه لم يكن هناك أي دور فلسطيني في التوصل إلى اتفاق "الكاميرات". 

وإذا كانت الأسباب الأميركية لاستبعاد هذا الدور غنية عن البيان فإن الموافقة الأردنية على ذلك تبدو مصدر تحفظ فلسطيني في ضوء "اتفاقية الدفاع عن القدس" بين الجانبين عام 2013, التي أكدت "الوصاية الهاشمية" على الأماكن المقدسة في القدس من دون الانتقاص من "ممارسة السيادة الفلسطينية على جميع أجزاء إقليمها بما في ذلك القدس".

ولوحظ أن كيري اجتمع مع الملك وعباس كل على حدة. ويلاحظ المراقبون أن الاختلاف الأردني – الفلسطيني في الرؤية كان هو السبب في عدم اجتماع كيري بهما معًا، كما يلاحظون عدم لقاء الملك وعباس لا قبل الاتفاق ولا بعده، وكان وزير الخارجية الأردني وليس الملك هو من أطلع عباس على الاتفاق بعد التوصل إليه.

والاتفاق ثالثًا يتعارض بل يصطدم مباشرة بالمسعى الفلسطيني المعلن الذي يكرر المطالبة بـ"حماية دولية" للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال انطلاقًا من القدس بخاصة ومن الأقصى على الأخص، لانتزاع القدس والأقصى من براثن الاحتلال بوضعهما تحت حماية أو مراقبة دولية كمرحلة انتقالية تمهد للسيادة الفلسطينية عليهما.

وفي هذا السياق تأتي "المبادرة الفرنسية" التي تتبناها الرئاسة الفلسطينية ويعارضها الأردن ودولة الاحتلال والولايات المتحدة.

في مقال له نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" المحسوبة على نتنياهو قال الباحث عومري دوستري: إن الاتفاق يعد "إنجازًا أمنيًّا وسياسيًّا من الطراز الأول" لأنه "أفشل المبادرة الفرنسية" التي قال إنها تمثل "مسًّا خطيرًا بالسيادة الإسرائيلية على البلدة القديمة في القدس" لأنها تدعو إلى وضع "مراقبين دوليين" في الحرم القدسي، ما يسوغ لمنتقدين فلسطينيين انتقادهم للاتفاق بحجة أنه "يشرك" الاحتلال ودولته في "أمن" الأقصى و"يجهض" المسعى الفلسطيني.

والاتفاق رابعًا يؤكد استمرار التزام المملكة بمعاهدة "السلام" الموقعة مع دولة الاحتلال، بينما يعلن الرئيس الفلسطيني أنه "لا يمكننا الاستمرار بالالتزامات الموقعة مع (إسرائيل) وحدنا في ظل عدم التزام (إسرائيل) بها".

لقد حذرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني مؤخرًا من أنه "من دون أفق سياسي" سوف تتكرر "دورة العنف". ولم يعد أحد يشك في أن نتنياهو قد أغلق كل الآفاق السياسية عندما أعلن في الكنيست عزمه "السيطرة على كل المنطقة في المستقبل المنظور.. بحد السيف" متهمًا من يضغطون عليه للتفاوض على حل الدولتين بأنهم أصحاب "وهمٍ غير واقعي".

ويتوقع الفلسطينيون أن يعيد الأردن النظر في التزامه بـ"معاهدة السلام" على أساس تبادلي مثلهم، فالجغرافيا السياسية الأردنية – الفلسطينية في هذه الحالة تجعل خروج المملكة على سياسة "الأردن أولًا" حالة استثنائية لا مهرب منها.

وعدم نشر نص الاتفاق فسح المجال، خامسًا، لذوي النوايا الحسنة والصيادين في المياه العكرة على حد سواء لإثارة الشبهات حوله، ما يزيد في المخاوف الفلسطينية منه، فبينما قال وزير الأوقاف الأردني هايل عبد الحفيظ: إن "على سلطات الاحتلال عدم التدخل في تركيب الكاميرات أو مراقبتها", قال مكتب نتنياهو الإثنين الماضي: إن تركيبها يجب أن يتم "بالتنسيق" مع دولة الاحتلال.

لا بل إن بعض منتقدي الاتفاق يذكرون، سادسًا، بأن فتح أبواب الحرم أمام الزوار غير المسلمين واستئثار دولة الاحتلال بالإشراف على دخولهم عبر باب المغاربة واستمرار حفريات الاحتلال تحت الحرم وحوله وغير ذلك من الانتهاكات للدور الأردني لم تقابل بما تستحقه من رد أردني.

ولأن الفلسطينيين يدركون، سابعًا، ما أدركه الكاتب الأردني ماهر أبو طير في جريدة "الدستور" الأربعاء الماضي, بأن "نتنياهو يريد توظيف العلاقة مع الأردن" من أجل "إطفاء شرارة الانتفاضة" الفلسطينية الحالية وبأن "تل أبيب تريد تحميل الأردن مسؤولية إطفاء الانتفاضة أولًا"، فإنه لا يسعهم إلا العتب على المملكة لانسياقها مع التفاف إسرائيلي مقصود على الدور الفلسطيني.