توشك وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" على تحقيق ما يوصف بـ"الإنجاز النوعي" في عالم الطيران، ، وذلك مع اقتراب لحظة الإقلاع الأولى للطائرة التجريبية "إكس-59"، التي توصف بكونها تمهّد لعصر جديد من السفر الجوي الأسرع من الصوت، دون الضجيج الذي كان يرافق هذه السرعة في السابق، ما قد يعيد النظر في قيود الطيران التي سادت لعقود.
وأعلنت "ناسا"، عبر بيان رسمي، أن الطائرة قد خضعت في 10 تموز/ يوليو الجاري لاختبارات أرضية على أحد مدارج كاليفورنيا، حيث أجرت تجربة تحرك بطيء باستخدام محركها الخاص، في إطار سلسلة من الاختبارات النهائية التي تسبق الإقلاع الفعلي، وهو المقرر أن يتم في وقت لاحق من هذا العام.
ووفقاً للوكالة، ستواصل "إكس-59" تسريع حركتها تدريجياً على المدرج خلال الأسابيع المقبلة، إلى أن تصل إلى سرعات قريبة من سرعة الإقلاع، دون التحليق فعلياً، في مرحلة يُراد منها التحقق من كفاءة أنظمتها الديناميكية والمحرك، قبل دخولها الأجواء.
نحو سفر أسرع.. وأكثر هدوءاً
تم تطوير الطائرة في إطار "مهمة كويست" بالشراكة مع شركة "لوكهيد مارتن"، وتستهدف إحداث نقلة نوعية في النقل الجوي، من خلال تقليص مدة الرحلات الطويلة وتقليل الانبعاثات الضوضائية المصاحبة لاختراق حاجز الصوت.
وتشير تقديرات "ناسا" إلى أن الطائرة ستكون قادرة على قطع المسافة بين نيويورك ولندن، خلال 3 ساعات ونصف فقط، ما يفتح الباب أمام نموذج جديد من السفر العابر للقارات، يُمكن المسافرين من تناول الإفطار في نيويورك ووجبة خفيفة في لندن، قبل منتصف اليوم.
وتتميز "إكس-59" بتصميم انسيابي يبلغ طوله 100 قدم (نحو 30 متراً)، وعرض جناحين يصل إلى 30 قدماً، بينما جاء أنف الطائرة طويلًا ومدببا بشكل خاص لتقليل موجات الصدمة الناتجة عن اختراق جدار الصوت، بحيث لا يتعدى صوتها في الأرض "طرقة خفيفة"، رغم قدرتها على التحليق بسرعة 1488 كيلومترا في الساعة.
منذ العام 1973، حظرت الولايات المتحدة، ومعها دول أخرى، الطيران الأسرع من الصوت فوق اليابسة، بسبب ما يسببه "الانفجار الصوتي" من إزعاج وضغوط على البنية التحتية والبيئة السمعية للسكان.
لكن "ناسا" تأمل في أن تُحدث "إكس-59" تحولا جذريا في هذا المجال، من خلال تقديم طائرة تُحقق سرعة تتجاوز الصوت مع ضجيج منخفض قابل للتحمل، ما قد يعيد فتح المجال الجوي أمام الطيران الأسرع من الصوت بشكل تجاري، للمرة الأولى منذ عقود.
هل تعود "الكونكورد" بشكل جديد؟
يرى البعض أن "إكس-59" تمثّل الجيل الجديد من الطائرات الأسرع من الصوت، خلفا لطائرة "الكونكورد" الفرنسية-البريطانية، التي عرفت بين عامي 1976 و2003 بأنها أسرع طائرة ركاب في التاريخ، بسرعة قد بلغت 2172 كيلومترا في الساعة، وقطعت المحيط الأطلسي في أقل من ثلاث ساعات.
لكن "الكونكورد" توقّفت بشكل نهائي عن الخدمة جرّاء ارتفاع تكاليف التشغيل، وتأثير الضوضاء على السكان، وأيضا بعد حادث تحطم مميت عام 2000 عزّز المخاوف المرتبطة بالسلامة.
اليوم، ومع "إكس-59"، تسعى "ناسا" إلى إعادة إحياء حلم الطيران الأسرع من الصوت، ولكن بوجه جديد أكثر استدامة وهدوءاً، في ظل سعي عالمي متزايد نحو حلول نقل جوية تجمع بين السرعة والراحة والمسؤولية البيئية.
ورغم أن "إكس-59" لا تهدف في مرحلتها الحالية إلى تشغيل تجاري فوري، فإنّ نجاحها قد يفتح الباب أمام سلسلة من الطائرات الأسرع من الصوت التي يمكن أن تُحدِث ثورة في سوق الطيران المدني خلال العقد المقبل.
وتراهن "ناسا" على أنّ بيانات الطائرة واختبارات الضوضاء المصاحبة لها ستُقنع الجهات التنظيمية، بما فيها إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية، بإعادة النظر في الحظر المفروض على هذا النوع من الطيران، لتكون "إكس-59" بوابةً نحو مستقبل أسرع وأكثر سلاسة في السفر الجوي.