بدت حواجز الاحتلال المنتشرة في الضفة الغربية، ومفارق الطرق التي يسلكها المستوطنون فارغة صباح أمس من المستوطنين المسافرين بين مستوطناتهم والأراضي المحتلة عام 1948م، إذ أخذت تلقي انتفاضة القدس المباركة بظلال قاتمة على حياة المستوطنين، واعتقادهم بوجود استيطان مريح وغير مكلف ومجاني كما كان الحال قبل الانتفاضة.
ظن المستوطنون الذين استجلبوا من دول كثيرة أن أرض الضفة هي أرض العسل واللبن، تلك الفكرة التي رسخها المنظرون الصهاينة في عقولهم، وزرعوها في رؤوسهم، كي يستوطنوا الضفة، ويقبلوا العيش فيها, ولكن عند التطبيق وجدوا غير ما قيل لهم من كلام معسول مخادع وغير حقيقي.
بعكس ما تعلم وأُفهم المستوطنون وجدوا أن الضفة الغربية كلها جحيم وموت في أية لحظة, ولا وجود للعسل واللبن, بل الموت الزؤام ينتظرهم على الحواجز مع حماية جنود الاحتلال، أو ينتظرهم خلال تسوقهم داخل المستوطنات أو خلال وقوفهم على مفارق الطرق الموصلة إلى مستوطناتهم.
لو خير أي إنسان بين العيش المرفه الهادئ والحياة الرغيدة، وحياة ومعيشة كلها قلق وترقب أن يأتي الموت في أي لحظة، من الجهات الأربع دهسًا أو طعنًا، ولا أمان على الطرق ولا خلال التسوق ولا خلال العمل؛ لاختار بطبيعة الحال الحياة الهادئة والعيش الرغيد، وهو ما لم يجده المستوطنون في مناطق الضفة الغربية، مع كثافة وكثرة الجنود الذين يحمون المستوطنين من الفلسطينيين، أو من المقاومين وعمليات الطعن.
أصل المشكلة والبلاء والداء هو الاحتلال، ولو لم يكن يوجد احتلال لما كانت هناك حاجة للمقاومة وعمليات الطعن والدهس للمستوطنين أو لجنود جيش الاحتلال، وهو ما لا يريد "نتنياهو" أن يفهمه أو يستوعبه، ويصر على طغيانه وجبروته، واستخدام كل أداوت القمع والقهر والتعذيب بحق الشعب الفلسطيني المسالم.
من ظن يومًا أن الاحتلال سيعطي الفلسطينيين شيئًا أو إنجازًا أو حقًّا على طبق من ذهب أو بالمجان أو خجلًا أو استحياء فهو في عالم آخر، فـ"نتنياهو" لا يرأس جمعية خيرية تقوم على طلبات المحتاجين، بل يرأس أخطر وأشرس احتلال في العالم، يزعم أن هذه الأرض له بحجة وجود اليهود مدة ما فوقها، وأن وجود الشعب الفلسطيني فوقها منذ مئات وآلاف السنين هو خطأ تاريخي، وجاء كيان الاحتلال ليصحح هذا الخطأ.
لا يوجد في قاموس الشعب الفلسطيني مصطلح تضحيات مجانية، بل توجد تضحيات جسام وكبيرة لتحرير الأرض الفلسطينية، وكل قطرة دم تسقط هي نقطة في مشوار التحرير، وتعجل من تحرر الشعب الفلسطيني.
ما دام الاحتلال موجودًا يبقى العمل على إزالته وطرده متواصلًا، وهذا أمر عادي جدًّا، ومفهوم, وهو أمر لا يتوقف _ولم يتوقف_ عبر التاريخ، ودروس التاريخ مليئة بالشعوب التي تحررت مع الفارق الكبير في موازين القوى التي كانت دائمًا تلعب لمصلحة المحتل الغاصب، ولكن في النهائية يبقى الاحتلال ضعيفًا بمنطقه وأخلاقه وإلى زوال؛ كونه يسير عكس التيار والسنن الكونية ومنطق الأمور.
وأخيرًا إن تهديدات وزير الحرب في كيان الاحتلال لن تثني شابًا عن قراره بأن ينتقم من الاحتلال؛ كون فقدان الروح أغلى ما يملك الإنسان، وعندما يقرر شاب أن روحه التي هي أغلى ما يملك فداء للوطن؛ فإن الاحتلال سيدفع ثمن احتلاله غاليًا، ولسان حال الشاب المقاوم يقول: وداعًا للاحتلال الرخيص والمجاني، وستحل اللعنة والغضب والموت على كل من احتل وظلم واستوطن، وسرق الأراضي وشرد شعبًا في منافي الأرض.