يرتقي الشهداء للسماء، ومعهم ترتقي مكانة عائلاتهم على وجه الأرض، يحظون بالتكريم والتقدير والاحترام، فهم من دفعوا فلذات أكبادهم ثمنا لحرية الأرض والوطن والمقدسات، تتسابق المؤسسات لتكريمهم عرفانا لهم بما قدموا، لكن الكلمات تتحشرج بالصدر عندما ينقلب التكريم إلى إهانة للشهداء وذويهم.
في جامعة الخليل اليوم الثلاثاء، أعلن عن حفل لتكريم أهالي الشهداء والأسرى، وهي الجامعة التي قدمت ثلاثة من أبنائها في انتفاضة القدس شهداء، هديل الهشلمون وفاروق سدر وطاهر فنون، حفل تكريم لذوي الشهداء والأسرى هكذا كان العنوان لكن المضمون مختلف تماما، فهناك سحقت كرامة الشهداء، وديس احترام ذويهم، حينما كان وجود ذوي الشهداء مادة دعائية لتلميع دعوة إدارة الجامعة للمغني هيثم خلايلة.
صعد أهالي الشهداء إلى منصة التكريم، لكنهم لم يكرموا، فقد ظلوا ساعتين يتابعون عريف الحفل وهو يتابع خط سير هيثم خلايلة من رام الله وحتى الخليل خطوة بخطوة، وكأنهم غير موجودين، وكأن الحفل لا يخصهم، فالجميع منشغل بطريق هيثم خلايلة، والقلوب تلهج بالدعاء أن لا يتعطل هيثم في الطريق فيضيع الحفل هباء منثورا.
كان لسان حال الأهالي يلح بالسؤال : لمن التكريم بالحفل بالضبط؟ ولماذا نحن هنا ؟ ، لم يجدوا إجابة ، حتى وصل هيثم إلى المنصة، صعد وسلم على الأهالي، فلحق به مهووسيه من طلاب الجامعة الغراء، لالتقاط الصور التذكارية، متناسين من خلفهم، وتحاملهم على جراهم الغضة الطرية وحضورهم لحفل طمعوا منه تكريما لأبنائهم.
تسع عشرة عائلة شهيد قدموا للحفل وفي قلوبهم وذهنهم حلم دفن أبنائهم، فجثامينهم الطاهرة لا زالت محتجزة في ثلاجات الموتى لدى الاحتلال السادي، وهؤلاء يرقصون هنا على أنغام هيثم خلايلة والحجة " حفل تكريم لأهالي الشهداء".
أم طاهر فنون التي استشهد ابنها ابن جامعة الخليل فجر الجمعة الماضية تعالت على جرحها وأرادت تقديم هدية رمزية لهيثم ، قدمت له راية تحبها ، قدمت له راية حزبها حزب التحرير، رفض هيثم استلامها ، وحاصرها أكثر من عشرين شخصا محاولين سحب الراية من يدها، وحاولوا مصادرتها، كان غضبها أكبر من كل ما حدث، فما كان منها إلا أن داست علما لم يحترم حاملوه معني " الشهيد".
حين وجهت الدعوة لأهالي الشهداء، لم يخطر ببالهم أن الجامعة دعتهم لترقص على دماء أبنائهم أمامهم، أو أنها أرادت نكأ جراح قلوبهم جديدة العهد، فأول شهيد ارتقي منذ نحو شهرين فقط .
وفي مقارنة سريعة قفز سؤال مؤلم إلى أذهان أهالي الشهداء والشرفاء ممن حضروا هذه المهزلة، هل باتت منزلة المغنيين أرفع من مكانة الشهداء في ارض ارتوت تربتها منذ سنوات بالدماء الطيبة الطاهرة المباركة، وما كان الغناء فيها مشروعا إلا للوطن والحرية، وما جدوى دعوة أصحاب الجراح النازفة إلى حفل غنائي ؟؟!!