مرت الذكرى الـ28 لانطلاق المارد الأخضر في الضفة الغربية مرور الكرام، دون أي احتفال صغير كان أو كبير، أو حتى بتعليق يافطات وأعلام للحركة التي لها حضور نوعي مميز ودور بارز على صعيد العمل الميداني والسياسي والعسكري لا يمكن نكرانه.
فأين حماس في الضفة الغربية؟ وأين كوادرها وقياداتها وعناصرها ومناصريها؟ السؤال جوابه معروف سلفا لكل متابع للأحداث في الضفة المحتلة، فالغياب القسري لتنظيم حماس مرده لغياب القيادة الميدانية القادرة على التعامل مع ضرورات الواقع، وبسبب ازدياد وتيرة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، بلغت حد عقد لقاءات أمنية ثنائية مباشرة، انتهت إلى العمل بسياسة "الباب الدوار" في ضرب البنية التحتية للتنظيم.
ورغم الحالة الأمنية الصعبة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي الذي اعتقل أكثر من ألف مواطن من المحسوبين على حماس خلال الشهرين الأخيرين من جهة، أو تلك التي تطبقها السلطة الفلسطينية وأجهزتها من جهة أخرى، إلا أن على أبناء حماس -كما يؤكد المراقبون- أن يحملوا الهمّ الوطني والتنظيمي، ويسعوا جاهدين لفرض وجودهم وإعلاء رايتهم، خاصة في ظل انتفاضة القدس، وشلال الدم الطاهر الذي لا يتوقف.
ضربات مزدوجة
يشرح النائب عن حركة حماس فتحي القرعاوي من محافظة طولكرم حال حماس في الضفة الغربية، قائلا "مما لا شك فيه أن حركة حماس بعد الانقسام تلقت ضربات مؤلمة ومزدوجة من أجهزة الضفة والاحتلال الإسرائيلي على حد سواء... إذ لجأت السلطة إلى سياسة التطهير والموجهة ضد الحركة من جميع المؤسسات والوزارات، تزامن ذلك مع حملة أمنية من ملاحقات واعتقالات ضد عناصرها".
وفي حوار مع "فلسطين الآن" يشير القرعاوي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي اتبع سياسة الإرهاق عبر الاعتقالات المستمرة التي لم تتوقف ضد عناصر وقيادات حماس.
ومع هذا، يشدد النائب القرعاوي -وهو أحد مبعدي مرج الزهور- على أن هناك شبه إجماع من المتابعين أن حركة حماس بعد 28 عاما، ورغم الملاحقات والضربات المتتابعة إسرائيليا وسلطويا قد استطاعت أن تحافظ على استمرارية وجودها، وهذا نابع من سرعة استعدادها للحشد وتحقيق انجازات داخلية كبيرة، رغم السطوة الأمنية التي لم تتوقف لحظة، وأنها استطاعت الخروج من عنق الزجاجة.
استنزاف مستمر
الأستاذ نزيه أبو عون أحد قادة حماس بالضفة الغربية يوافق القرعاوي، إذ يشير في حديثه لـ"فلسطين الآن" إلى أن وضع الحركة صعب نتيجة حصارها الأمني والاقتصادي والتضييق الكبير على الحريات، خاصة في الجامعات وملاحقة الأسرى المحررين واستمرار إغلاق مؤسسات الحركة والمجلس التشريعي وأي مؤسسة تنتمي من قريب أو بعيد للحركة".
كما أن الكاتب الفلسطيني سري سمور يدعم التوجه ذاته، قائلا إن "وضع حماس في الضفة الغربية صعب، وهي تستنزف في الضفة منذ عام 2001.. وبعد الانقسام وتداعياته ازداد وضعها تعقيدا، لكن هذا لا يعني أن حماس في الضفة الغربية أصبحت تاريخا منتهيا، فما زال لحماس شعبية لا يستهان بها وجمهور مؤيدين في الشارع الفلسطيني بمختلف شرائحه".
ويلمح سمور -وهو من مدينة جنين- إلى أن مشكلة ظهرت لدى حماس الضفة تتمثل بظهور جيل جديد من أبنائها لم يتربوا في المساجد والأسر والحلقات، بل تربوا على منشورات الميديا الجديدة، وهذا لا شك أمر سلبي، وإذا كانت مبرراته مفهومة.
ليس هذا وحسب، بل أنه في السجون الإسرائيلية لا يتم إعادة بلورة وصياغة هؤلاء الشباب بطريقة عصرية، بل بإتباع أساليب عفا عليها الزمن.
وتابع "أثبتت حماس الضفة أنها ما زالت قادرة على ضرب وإيلام الاحتلال، وظهر ذلك في عملية إيتمار التي كانت فاتحة انتفاضة القدس".
العودة للشارع
بعد تفسير ما ألم بحماس وكوادرها من عقبات وصعوبات استهدفت استئصالهم في الضفة الغربية، يطرح سؤال هام عن المطلوب من قيادات حماس وعناصر هنا، حتى تتمكن من العودة لقيادة الشارع!!.
يشير النائب القرعاوي إلى أن "المطلوب في هذه المرحلة عدم الوقوع فيما وقع فيه الآخرون من اعتبار حماس عدو مركزي واستراتيجي".
وأضاف "يجب على الحركة تجاوز مرحلة المحنة ومحاولة تجميع الصف الفلسطيني الداخلي بما في ذلك المخلصون من فتح للخروج من أزمة الانقسام إلى مرحلة توحيد الصف في مواجهة العدو المشترك".
أما أبو عون فرأى أن المطلوب الصبر على تقلبات الزمن والثبات على المبادئ والإيمان الراسخ بصوابية النهج من جهة، ومن جهة أخرى فإن انسداد أي أفق سياسي أمام السلطة والفساد الإداري والمالي الذي تمارسه السلطة بالضفة قد تحمل بارقة أمل للتغيير.
العمل وفق المتاح
أما الكاتب سمور فطالب حماس أن تلتحم أكثر بالجماهير، بكافة مستوياتها، وأن تسعى للمصالحة الميدانية مع فتح عبر اللقاءات والزيارات. وقال "فإذا كان ملف المصالحة معقدا في غزة، فلتكن الضفة في حال مختلف، وأن تستخدم حماس ما هو متاح وفق قوانين السلطة للعمل، ولا يضيرها لو طلبت الحصول على تراخيص وتواصلت مع من يمكن أن يساعدها لتنظيم بعض الفعاليات المرخصة، بعيدا عن خطاب المظلومية الذي لازمها خلال سنوات، وأن يعلموا أن الانتفاضة الحالية تختلف عما قبلها وعما بعدها...".
ولكن الأهم -حسب سمور- من كل ما سبق هو، أن حماس لن تستعيد بريقها ومجدها إلا بالتصاق وتنسيق مع حركة الجهاد الإسلامي في الضفة، وإذا كانت حماس في بواكير عمرها في السجون قبلت العمل تحت إطار الجبهتين الشعبية والديمقراطية، فلم لا تقبل هذا الأمر مع الجهاد الإسلامي في الضفة!!".