يرمي الاحتلال الإسرائيلي الشعبَ الفلسطينيّ يومياً بأبشع الممارسات حيث الحصار، والقتل، والأسر، إضافة إلى الترحيل والإبعاد ويسرق الأرض وغيرها من الممارسات الاحتلالية، وأمام تلك المشاهد البشعة التي تحرق قلب الناس، تراهم كثيراً ما لا يجدون إلا الحجارة يرمون بها الاحتلال بغضبهم، ويدافعون عن أنفسهم.
فصار الحجر ركيزة ورمزاً للنضال الفلسطيني ، خاصة مع اندلاع الانتفاضة الأولى. إذ تسلح به من وقفوا أمام تلك الدبابات الحديدية والجنود المدججين بالأسلحة، وإذا كانت الحجارة التي حملها أبطال الانتفاضة لا تقاس بالفاعلية الحسية، فقد أظهرت قدرة خفية على لفت العين العالمية إلى الانعدام التام في توازن القوى ،بين آلة حربية مدججة بأحدث الأسلحة وبين مواطنين صغار وكبار يركضون بصدور مكشوفة نحو الدبابة ليرموها بحجر، لقد كان لهذه الحجرة الأثر الرمزيّ المدويّ، ولو بقيت قدرتها الفعلية محدودة بطبيعتها.
الحجر كلف الاحتلال مليارات الشواقل
الناطق الرسمي باسم المقاومة الشعبية في القدس "هاني حلبية" يرى أن الحجر والمقلاع أثبتتا نجاحهما في ردع الاحتلال، وكان لهما الدور البارز في المواجهات مع الاحتلال منذ عام 1987 حتى يومنا هذا، وذلك بسبب توفرها لدى جميع الشبان وسهولة الحصول عليها واستخدامها، فهي لا تحتاج لخبرات عسكرية أو تدريبات كما السلاح والأعيرة النارية.
وأضاف حلبية أن الاحتلال لا يمكنه مقاومة الحجر بالسهولة التي يعتقد ، فهذه الوسائل التي تربى عليها الفلسطيني منذ صغره، كما أنها تكبد الاحتلال خسائر فادحة في كل مواجهة تكون مع الاحتلال، مستشهدا على ذلك بالأحداث خلال هبة "أبو خضير" في مدينة القدس كيف كبد الحجر والمقلاع دولة الاحتلال مليارات الشواقل في محاولة لردع الشبان من خلال تخصيص وحدة خاصة، كما تم توقيف مشروع القطار الخفيف آنذاك وغيرها من الإجراءات، كذلك الأمر خلال الانتفاضة الحالية والتي كلفت الاحتلال الكثير.
قانون تشديد العقوبات ضد راشقي الحجارة
وكان الكنيست الإسرائيلي قد صادقت خلال عام 2015 بالقراءتين الثانية والثالثة، على مشروع قانون يقضي تشديد العقوبات ضد راشقي الحجارة، بحيث يعاقب من تثبت عليه التهمة بالسجن الفعلي لمدة ثلاث سنوات كحد أدنى، كما وتبنى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية – الكابينيت- منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي في اجتماع عقده برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي، قرارًا يقضي بتفويض الجنود بإطلاق النار على الفلسطينيين في حال تعرضهم للخطر من راشقي الحجارة .
حيث رأى الخبراء الفلسطينيين أن وجود مصادقة بالأغلبية على هكذا قانون يدل على مدى الخطورة التي يشكلها الحجر – رغم بدائيته – على الاحتلال الأمر الذي فوضهم لإطلاق النار بشكل مباشر تجاه راشقي الحجارة بهدف القتل وفي محاولة للردع.
وبرز ذلك خلال التقارير صادرة عن الإعلام العبري والتي رأى خلالها المسؤولون الإسرائيليين، إن الأسلحة الفلسطينية البدائية والبسيطة تشكل زعزعة للأمن العام في "دولة الاحتلال" رغم الآلات العسكرية الإسرائيلية المتطورة، وأوعز الخبراء ذلك إلى أن الشبان الفلسطينيين ينفذون عملياتهم من خلال الأسحلة البدائية بشكل فردي.
أدوات بدائية ولكنها تتطور
رغم مرور 28 عاماً على انتفاضة الحجارة والتي برز خلالها الحجر كسلاح أساس في مقاومة الاحتلال، إلا أن الفلسطيني سعى جاهدا لتطوير سلاحه فبدأ باستخدام "المقلاع والنقيفة" بدلا من يده في إلقاء الحجارة ومن ثم بدأ بصناعة المولوتوف والأكواع المتفجرة، وبعد ذلك تطور أكثر لنراه خلال الفترة الأخيرة يبرز أسلحة أكثر نجاعة كالسكين والبنزين لمقاومة الاحتلال.
يعرف المقلاع بذاك الحبل المعقود من طرفيه ومنتصفه يستخدمه الشبان من خلال وضع الحجر في منتصفه والتلويح به فوق الرأس قبل إفلات أحد أطرافه مما يزيد من المسافة التي يصل إليها الحجر، كذلك الأمر بالنسبة لـ "النقيفة" والتي تتكون من أداة أشبه بحرف "Y" يتوسطها خيط مطاطي يوضع الحجر بنصفه ويشد بقوة ليترك بعد ذلك يصيب الهدف لمسافة بعيدة وقوة أكبر.
ونجح الفلسطيني فيما بعد باستخدام القنابل اليدوية البدائية أو ما تسمى بالمولوتوف والأكواع المتفجرة وتتميز كل منهما عن الأخرى بطريقة التصنيع والأدوات المستخدمة بها، ويلفت الشبان في ميادين المواجهة بأن ليس باستطاعت الجميع صناعة كوع أو زجاجة حارقة "مولوتوف" كما أن إطلاقها باتجاه الاحتلال يحتاج إلى تركيز ودقة بالهدف حتى لا يؤذي الشاب نفسه، ولكن ما يميز هذه الأدوات بنظر الشبان أنها أكثر فائدة من الحجر فهي في كثير من الأحيان تتسبب بحروق في سيارات الجنود أو حتى في أجسادهم.
وفي مراحل متقدمة أكثر عاد الفلسطيني لاستخدام السكين لطعن المستوطنين والجنود لإصابتهم بجروح خطيرة وربما تسبب بقتلهم، مستفيدا بذلك من تجربة الأسير المحرر في صفقة "وفاء الأحرار" مفجر ثورة السكاكين "عامر أبو سرحان"، حيث كان أول من استل سكيناً ونفذ عملية طعن في القدس أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين، الأمر الذي يكرره الفلسطينيون اليوم خلال انتفاضة القدس.
لم يتوقف الأمر على الحجر والسكين بل امتد ليصل إلى "دعسة البنزين" حيث يعتبر الفلسطينيون أن الشهيد "عبدالرحمن الشلودي" هو مفجر عمليات الدهس ضد الاحتلال ومستوطنيه، حيث نفذ عمليته في منتصف العام المنصرم بالقرب من حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة؛ ليلحق به إبراهيم العكاري وغيره من الشبان الذين نفذو عمليات دهس في مختلف الأراضي الفلسطيني المحتلة، والتي أوقعت العديد من القتلى والجرحى الإسرائيليين، الأمر الذي زاد الأمن العام في "إسرائيل" سوءًا، فالله وحده يعلم بالنيات ولا يمكن لجنود الاحتلال معرفة إن كانت السيارة القادمة ستدهسهم أم لا.