على لوحة بيضاء يسير رأس قلم الفنان ليرسم أشكالًا فنية ، أو يخط حروفًا من آيات الكتاب ، أو يفصّل أجزاء مجسمات بديعة وزخارف جميلة ، وبأدواته البسيطة يحفر إبداع رسمه على لوحات خشبية لتزيّن بيتًا أو مكتبًا أو جدار مؤسسة ، إبداع يتحدى كل صعوبات الحياة وحصارها في قطاع غزة.
داخل غرفته الصغيرة يجلس الفنان التشكيلي شادي عفانة ، ويحيط به من كل جانب أعماله الفنية ولوحاته الخشبية المنقوشة معظمها بآيات القرآن بأنواع متعددة من الخطوط العربية الجميلة ، وتزينها منحنيات الزخارف المتناسقة الألوان ، فيما يعرف بفن التفريغ والتشكيل على الخشب أو فن "الآركت".
وهذا التقرير الذي أعده مراسل "فلسطين الآن" يسلط الضوء على فن التفريغ والتشكيل أو ما يعرف بفن "الآركت" ، من خلال إبداع الفنان التشكيلي شادي عفانة وأعماله الفنية التي يقوم فيها بهذا الفن.
فن "الآركت"
الفنان شادي راغب غفانة 33 عامًا من حي تل السلطان غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة خلال حديثه ل"فلسطين الآن" أوضح أن طبيعة فن "الآركت" هو تفريغ وتشكيل الخشب بأبسط للوصول إلى أجمل وأدق الأشكال من المجسمات والبراويز القرآنية.
وأفاد أنه يستخدم أدوات بسيطة في هذا الفن خاصة المنشار الدوار اليدوي ، حيث يتطلب العمل عليه مجهودًا كبيرًا جدًا كما عبّر عفانة ، مشيرًا أن هذا الفن يتطلب تركيز ودقة عالية لأنه لا مجال للخطأ في الخشب حين يتم قص الشكل وتفريغه.
وقال:" ما يميز هذا الفن هو أنه فن جديد على الساحة الغزية في استخدامه في تطعيم الأبواب والشبابيك والطاولات بأجمل الزخارف البارزة أو الغائرة" ، وبدا من خلال أعماله الفنية استخدامه في تفاصيل كثيرة مثل عمل أغطية مزخرفة لأجهزة الحاسوب.
وأضاف:"هذه الأعمال الفنية تصلح للاستخدام في البيوت والمؤسسات والمكاتب التي تناسب جميع الاذواق وبأقل التكاليف الممكنة" ، منوهًا أنه أحيانا يستخدم بقايا الأخشاب الزائدة من المناجر ويعيد تدويرها وإنتاج أجمل التحف الخشبية منها.
وطبيعة الأعمال التي يركز عليها الفنان عفانة في هذا المجال البراويز القرآنية والمجسمات الخشبية التي تكون لها استخدامات منزلية مثل الأنتيكات والتحف الخشبية والساعات والرفوف والمعلقات الخشبية.
وتابع بقوله:"الرسالة التي أحملها من هذا الفن هي الاستفادة من بقايا الأخشاب الزائدة من المناجر وبناء جيل يجيد هذا الفن ويشارك فيه ليس فقط في قطاع غزة ولكن في معارض دولية تكون المشغولات اليدوية فيها من أخشاب الزيتون التي تحمل طعم الأرض طعم القدس طعم فلسطين".
بداية الإبداع
لوحة خشبية مكتوب عليها "بسم الله الرحمن الرحيم ، وإنك لعلى خلق عظيم ، صدق الله العظيم" ، هي من أكثر اللوحات التي يرتبط فيها عفانة ، يقول:"هذه أكثر لوحة أرتبط بها لأنها كانت أول لوحة أنفذها ، كما وتذكرني بأحلى أيام الجامعة والأصدقاء وحياه البحث والاكتشاف والإبداع للوصول لكل ما هو مميز ، وإني أحتفظ بها رغم أنها دفع مبلغًا لشرائها".
بدأ عفانة مسيرته الفنية في المرحلة الإعدادية من دراسته ، حيث شارك في أغلب المسابقات الفنية في تلك المرحلة على مستوى المدرسة والمديريات ، وقال:"مرحلة بعد مرحلة تطورت هذه الموهبة بتشجيع من الوالدين والمدرسين والزملاء الذين أحبوا هذه الموهبة الي أن تخرجت من الثانوية العامة".
وتابع"وكنت كلي إرادة وعزيمة أن التحق بجامعة الأقصى وأدرس الفنون ومن خلال دراستي لجميع المجالات الفنية ألا أني أحببت هذا المجال وهو فن الآركت التفريغ على الخشب حيث وجدت نفسي في هذا الفن وتفريغ كافة طاقتي وبدأت مسيرتي بهذا الفن بشكل خاص وبأبسط الأدوات".
تحديات وطموحات
واعتبر الفنان عفانة أن أكبر الصعوبات والتحديات التي تواجهه هو الحصار حيث لم يتم إدخال بعض الخامات الجديدة سواء من الأخشاب الطبيعية أو المعدات لتطوير هذا هذا الفن ، وقال:"فقط مقصور على نوعيات معينة داخل البلد مما أجد صعوبة جدا في الحصول على الاخشاب المطلوبة وإن أجدها تكون أسعارها غالية الثمن".
وأضاف:" رغم الاحتلال وعدم توفر الكثير من الأدوات والخامات اللازمة حيث كنت أستبدلها بأشياء أخرى لكن ليس نفس الجودة ، ولكن نحن كفنانين تشكيليين نصنع شي من لا شي وهو هذا الفن والإبداع".
ويطمح عفانة أن يتم أن يتم إنشاء معارض فنية للمشغولات الخشبية في قطاع غزة وخارج القطاع ليشارك فيها ويعرض فيها إبداعه ، متمنيًا "أن يتم تسليط الضوء على هذا الفن من قبل المؤسسات الداعمة للشباب ، والتجديد في المعارض التي تعودنا عليها في صالات العرض ، وأن يأخذ هذا الفن حقه كباقي الفنون".