حول كانون صغير، يتوسطه حطب مشتعل، بألوان متوهجة، ووهج متزايد، وأيادٍ ممتدة ترقب الدفء، يجتمع كثيرٌ من أهالي قطاع غزة بشكل شبه اليومي حول كانون النار في شتاء كل عام.
في فترات انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة والتي تستمر في أحسن الأحوال لثمانيي ساعات قطع وثمانية وصل، وفي وقت الانقطاع تعود غزة لعصور ما قبل الكهرباء، حيث باتت وهي تعيش في أوائل القرن الحادي والعشرين تستخدم الطرق البديلة في إنارة المنازل وتدفئتها".
أزمة انقطاع الكهرباء تزداد صعوبة في ظل المنخفضات المتلاحقة في قطاع غزة، حيث تزيد نسبة الأحمال على شبكة الكهرباء، ويتطلب الأمر البحث عن بديل للتدفئة وطهي الطعام في ظروف تذكرهم بماضي الآباء، وتاريخ الأجداد.
الغزيون لجئوا في ظل البرودة الشديدة، وانقطاع التيار الكهربائي، وانعدام التدفئة الكهربائية إلى استحداث طرق بديلة وقديمة لتدفئة منازلهم وإنارتها، حيث يستخدم الغزيون "كوانين النار" في تدفئة البيوت وطهي الطعام، وتسخين الماء اللازم للوضوء والاستحمام.
مشكلة إنارة المنازل تغلب عليها حديثا معظم سكان القطاع المحاصر منذ عام 2006 من خلال شبكات الليدات التي تعتمد على البطاريات في إنارتها، حيث تعتبر الأكثر استخداما وفعالية في فترات انقطاع الكهرباء.
كانون الأجداد نفع الأحفاد
توارث الفلسطينيون كانون النار جيلا بعد جيل، فنادر ما يشتري الغزيون كانون النار، بل في غالبيتهم يتوارثونه عن آبائهم وأجدادهم، حيث يعتبر الحل الأمثل للتغلب على البرد في فصل الشتاء.
المواطن أبو يوسف عماد اعتاد مساء كل يوم الجلوس مع عائلته حول كانون النار في غرفة خارجية أنشأها من بعض ألواح الزينكو القديم، يتسامرون الحديث، ويطهون ما تواجد من "باذنجان، وبندورة، وبصل" على الكانون الذي يعتبر مصدر تسلية في حد ذاته.
ويضيف أبو يوسف :"نظراً للحالة التي يمر بها قطاع غزة في ظل المنخفض الجوي وانقطاع التيار الكهربائي وشح الغاز نحاول التكيف مع تلك الظروف باستخدام الطرق البديلة كإشعال النار عبر الكراتين الورقية والحطب والفحم".
وفي ذات السياق أكد الشاب الجامعي سامي أبو عوض على أن والدته تطهو الطعام على كانون النار نظرا لأزمة الغاز التي يمر بها قطاع غزة.
وأشار أبو عوض إلى أنه لا يخلو يوم في فصل الشتاء من إشعال كانون النار في بيتهم الصغير بهدف التدفئة أو طهي الطعام أو كعادة اعتادوا عليها منذ صغرهم.
وينتظر غالبية سكان غزة موعد عودة التيار الكهرباء للقيام بخبز الخبز على "طنجرة الكهرباء"، وشحن البطاريات التي تضي منازلهم، وشحن الجوالات، وتسخين الماء عن طريق "القيزر" أو الاستحمام على "الأطمر"، جميعها أشياء روتينية يتوجب على كل غزي ممارستها في كل يوم وعدم نسيانها.
وعلى الرغم من أن كانون النار أصبح أنيس الغزيين، إلا أن العديد من الأهالي والمواطنين لا يجرؤون على استخدامه نتيجة عيشهم في شقق سكانية لا تؤهلهم لإشعال النار داخلها، خوفا من الحريق، أو الاختناق بالغازات الضارة المنعدمة منها، لكنه يبقى مصدر حل للعديد من المشاكل لغالبية الأسر التي لا حول لها ولا قوة.